مصطفى أبو العزائم

أو كما قال “سعد باشا ” !


(مفيش فايدة)..عبارة نسبت إلى قائد ثورة 1919م في مصر، ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، والذي تقلد عدة مناصب وزارية، الزعيم سعد زغلول الذي تكفي الإشارة إليه في الشقيقة مصر باسم “سعد باشا” وقد عاش هذا الرمز المصري وأحد أيقونات العمل الوطني في الفترة من يوليو 1857م وحتى 23 أغسطس 1927م، وهو ذات اليوم الذي قال فيه كلمته تلك (مفيش فايدة) لزوجته السيدة “صفية زغلول” أو “أم المصريين” كما كانت تسمى. وهي زعيمة ابنة زعيم وزوجة زعيم، إذ أن والدها هو “مصطفى فهمي باشا” السياسي المصري ورئيس الوزراء أكثر من مرة في العهد الملكي، وقد ارتبط اسمها بزوجها أكثر من أبيها، وكانت إحدى الثائرات على الأوضاع القديمة ومنادية بتحرير المرأة ومنحها فرصاً أكبر للمساهمة والمشاركة في الحياة العامة .
تردد كثيراً أن “سعد زغلول” نطق بكلمتيه هاتيك قبيل أن يسلم الروح بلحظات وهو ما فسره البعض بأنه لا فائدة ترجى من التفاوض مع الإنجليز قاطعاً بذلك الطريق أمام فرص التغيير إلى الأفضل، رغم أن الحقيقة كما أوردها شيخ الصحفيين المصريين “حافظ محمود” في أول مقال له بعد توليه رئاسة تحرير صحيفة (السياسة) عام 1937م، هي أن الزعيم “سعد زغلول” قال عبارته تلك لزوجته وهي تمد له الدواء قبيل وفاته بلحظات، عندما أشار إليها بيده بألا تفعل. وأردف رفضه وإشارته تلك بالعبارة الأشهر في دنيا السياسة المصرية “مفيش فايدة” والتي أضحت لدى البعض تعبيراً عن اليأس، واستحالة الإصلاح .
سبب هذه القصة وإيرادها اليوم هو ما تشهده ساحات العمل السياسي والعام في بلادنا، وفي كثير من الأقطار العربية الشقيقة التي تتشابه ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتكاد تتطابق فيها القيم والعادات والسلوك العام، والمعاناة بسبب كبت الحريات وتضييق ومصادرة الحقوق، رغم تحرك الناشطين في مجالات حقوق الإنسان والإصلاح العام، دون فائدة تذكر أو ترجى مع تعنت الحاكمين وتسلطهم وفرضهم لوصايتهم على الشعوب .. أي أنه لا فائدة كما يقول كثير من المصلحين وقادة التغيير، إذ أن الأوضاع تظل دائماً على ما هي عليه، إن لم تزدد سوءاً على سوء، مع ترد واضح في البنيات والاقتصاد والعملات الوطنية، وتراجع في القيم والأخلاق واصطراع على مقاعد الحكم ومراكز السلطة واتخاذ القرار تدفع ثمنه الشعوب تقتيلاً وتشريداً وفقراً وعجزاً عن التطور، والأمثلة عديدة والنماذج كثيرة .
وسبب ثاني دفعنا لإيراد قصة “سعد زغلول” وعبارة “مفيش فايدة” وهو رسالة بعث بها إلى صديق عزيز صباح أمس كنت قد قرأتها من قبل متداولة في الوسائط الإلكترونية منسوبة للكاتب اليمني “محمد حجر اليافعي”، يلمس فيها مواضع الجرح ومواطن المرض في جسد الأمة، وقد لا تتسع مساحة هذه الزاوية لنشر الرسالة كاملة والتي جاءت بعنوان (بين الاستثمار والاستحمار) والتي يقول ملخصها العام، إن الثروات المادية الملموسة لم تكن ولن تكون في يوم من الأيام سبباً في تقدم الدول أو نهضتها، خاصة تلك الدول التي تكون شعوبها مشحونة بالحقد والبغضاء والعنصرية والمناطقية والجهوية والجهل والحروب .. ويضرب مثلاً بنيجيريا التي تعتبر من أكثر الدول إنتاجاً للنفط وأغناها بالثروات والمعادن، ومع ذلك فإنها ما زالت دولة متخلفة بسبب حالها ووضعها، وبسبب أن الإنسان فيها ما زال مشبعاً بالأحقاد العرقية ومحملاً بالصراعات الطائفية والدينية، بينما دولة كسنغافورة بكى رئيسها ذات يوم لأن بلاده تفتقر إلى الموارد نراها اليوم تتقدم دولة صناعية كبرى مثل اليابان في مستوى دخل الفرد .
يقول الكاتب في مقاله المتداول على أوسع نطاق أسفيري، إن الشعوب المتخلفة فقط في عصرنا الحالي هي التي ما زالت تنظر إلى باطن الأرض وتبحث عما تستخرجه كي تعيش، في الوقت الذي أصبح فيه الإنسان هو الاستثمار الناجح والأكثر ربحاً .. ويتساءل الكاتب فيقول: (هل فكرت وأنت تشتري تلفون جالكسي أو آيفون كم يحتاج هذا التلفون من الثروات الطبيعية ..(؟) ستجده لا يكلف دولارات قليلة من الثروات الطبيعية .. جرامات بسيطة من المعادن وقطعة زجاج صغيرة وقليل من البلاستيك، ولكنك تشتريه بمئات الدولارات، تتجاوز قيمته عشرات البراميل من النفط والغاز .. والسبب أنه يحتوي على ثروة تقنية من إنتاج عقول بشرية.
ترى هل ينصلح حالنا وحال الأمة وشعوبها، أم يصبح حالنا ميئوساً منه ومن إصلاحه كما تداول البعض في مصر من قبل مقولة “سعد زغلول باشا”، وفسروها بأنه لا فائدة ترتجى (؟) ليتنا نعمل جميعنا من أجل التغيير حتى نخرج إلى واقع أفضل ولو كان ذلك بالخطوة البطيئة.