رأي ومقالات

حلايب حلقة من حلقات التدخل الدولي


قد يبدو للوهلة الأولى أن المقالات الأخيرة في شهر أبريل وهذا المقال كلها مكررة، ولكن العكس تماماً فهي مسلسل متجدد بسرعة مذهلة تحرض لمزيد من التركيز وتسليط الضوء على أي مستجد يصب في اتجاه جوهر مقالاتي الأخيرة، وهو أن البلاد الآن تواجه تآمراً دولياً بدأت حلقاته تضيق وتقترب، لذلك من الضروري قبل إضافة أي مستجد الرجوع قليلاً الى ما ذكرنا سابقاً وربطه بالحدث الجديد، والغرض الأهم من هذه المقالات توعية المواطنين بصفة عامة والمعارضة بصفة خاصة، بالذي يدور ويخطط للسودان بواسطة الأيدي الخفية العالمية المؤثرة في سياسة وتاريخ وجغرافية الأمم بهدف تحقيق غاياتها المرسومة منذ مئات السنين، لتشكل حاضراً ومستقبلاً في أمم بعينها في توقيتات ومناطق محددة بعناية فائقة، حتى تصل تلك القوى الخفية الى هدفها المنشود بحكم العالم بواسطة حكومة أممية واحدة- هذه القوى الخفية أشعلت الثورة الفرنسية، والثورة الانجليزية، والحرب العالمية الأولى، ثم الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة..

أنشأت الصهيونية والشيوعية والنازية بهدف أن تقضي كل واحدة على الأخرى في أوقات لاحقة.. أنشأت الصهيونية حتى أقامت لها دولة في أرض الشام، وأنشأت الشيوعية للقضاء على القياصرة والمسيحية، ثم أزالت الشيوعية في الحرب الباردة، بعد أن أدت دورها على الوجه الأكمل، ثم أزالت النازية التي قضت إبان حكمها على اليهود، والآن التخطيط المرسوم منذ وقت بعيد يرمي الى إشعال حرب عالمية ثالثة في منطقة الشرق الأوسط، وإعادة رسم خارطة بهدف إضعاف الإسلام.. كل ذلك يشير الى أن السودان هدف استراتيجي لهذه القوى لسببين الأول قوة واستمرارية الحكم الاسلامي الوحيد الآن في المنطقة، والثاني قوة السودان بموقعه المحوري في المنطقة وثرواته الهائلة في ظاهر وباطن الأرض.
كما أسلفنا في مقال سابق بدأت خطوات خطة القوى الخفية على السودان في التبلور بالقرار 2265 والذي ركز في جوهره على الأوضاع الإنسانية للنازحين من قراهم، وركز على تزايد التفلتات الأمنية والقصف الجوي للقوات الحكومية، دون الإشارة الى الاستقرار والتنمية في المدن الكبرى في دارفور، مركزاً أخيراً على مسؤولية الحكومة في حماية مواطنيها في كل أنحاء السودان.. وتلى ذلك بيان الاتحاد الأوروبي وبيان الترويكا في تركيز أيضاً على النواحي الإنسانية وأوضاع النازحين، ثم جاء بيان الخارجية الأمريكية في نقد استفتاء دارفور.. كل تلك القرارت والبيانات صدرت في الخمسة وأربعين يوماً الماضية، وفي الرابع من مايو الحالي أصدرت مجموعة من الكونغرس الأمريكي وعددهم (مائة وعشرون عضواً) بقيادة جيم ماكقفرن الديمقراطي وجوزيف بيتس الجمهوري خطاباً أرسلته الى الرئيس الأمريكي أوباما تحثه، وهو في سنته الأخيرة في الحكم على إعطاء قضية السودان ودارفور خاصة أولوية قصوى، وممارسة ضغوط على الحكومة السودانية والتركيز على تفعيل العقوبات الاقتصادية، وعدم تقديم الدعم المادي للسودان من الدول الأخرى خاصة السعودية والامارات، وتختم خطابها للرئيس بعبارة غريبة مستفزة إذ تقول: (سيدي الرئيس الشعب السوداني يتطلع أن تكون بطلاً لحل مشاكله كما لم يسبق من قبل) (وهذا حديث ورد في الأسافير فقط).
مواصلة للربط بين الأحداث عقد الخبير المستقل لحقوق الإنسان أرستيد نونوسي مؤتمراً صحافياً يوم الخميس 28 أبريل الماضي في ختام زيارته للسودان، والتي استغرقت (14) يوماً ملخصه أنه قلق بسبب عدد من قضايا حقوق الإنسان في البلاد مثل الاعتقال التعسفي، والحجز، وحظر السفر، مشدداً على قلقه الأشد على قانون الأمن الوطني.. وأضاف قائلاً في دارفور ما تزال الأوضاع الأمنية مرتبكة ولا يمكن التنبوء بها، الشيء الذي يخلق آثاراً مباشرة على حقوق الإنسان والأوضاع الإنسانية، وأنه قلق جراء النزاع الحادث في جبل مرة، والذي نتجت عنه موجات نزوح جديدة في سرونق وكبكابية وطويلة، كما أنه قلق بشأن الآثار الحاسمة لنزاع المدنيين على ضوء اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وانتهاكات أخرى خطيرة في القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك القتل العشوائي، وتدمير وإحراق القرى والاختطاف والعنف الجنسي ضد النساء، ويدعو ويناشد الحكومة السودانية التي تقع- كما قال- عليها المسؤولية الأساسية في حماية حقوق الإنسان في دارفور، ونوه في ختام حديثه أنه لم يذكر أشياء أخرى سوف يضمنها في تقريره.. وهذا في تقديري تقرير سالب متحامل على الحكومة يصب في خانة الربط بين ما ذكرنا في متن هذا المقال، لذلك حلقات المخطط تتكامل وتلتقي في نقطة حقوق الإنسان والأوضاع الإنسانية، وهي نقطة ضعف لكل من روسيا والصين في استخدام حق النقض (الفيتو)، كما حدث في قرارات سابقة وتحت الفصل السابع.. لا يمكن أن تتلاقى كل هذه القرارات والبيانات والتقارير مصادفة وفي وقت واحد في النواحي الإنسانية وحقوق الإنسان ومعاناة النازحين- هي تمهيد لعمل ما يجب التحسب باليقظة والاستعداد والمرونة.
في كل هذا الزخم السالب على السودان يتم تصعيد مسألة حلايب بواسطة النظام المصري بصورة غير مسبوقة، وذلك ببداية العمل في المنشآت المدنية خاصة مجمع المحاكم، الذي من المفترض أن يكون وضع حجر أساسه في الأيام الماضية، واستغلال دعم الامارات في إنشاء وحدات طاقة كهربائية شمسية حوالي 30 ميقاواط، وتوقيع اتفاق مصر مع السعودية في إنشاء الجسر الذي يربط بينهما دون مشورة السودان في مسألة بنائه، ودون مراعاة للنزاع بين مصر والسودان حول مثلث حلايب.. كل ذلك يتم في نظرة متعالية واستخفاف من جانب مصر، وهي تعلم علم اليقين بسيادة السودان التاريخية والقانونية على حلايب منذ العام 1899، ومشكلة حلايب لا تخص الإنقاذ وحدها ولم تخلقها الإنقاذ، بل هي ممتدة منذ أكثر من ستين عاماً تقع مسؤولية ضياعها على كل الأنظمة العسكرية والمدنية التي حكمت السودان قبل الإنقاذ.
في تقديري أن هذا التصعيد المفتعل من جانب مصر مرتبط بالمخطط الذي أشرنا له، وأن مصر ستكون المخلب الذي ينفذ به المخطط الآثم للنيل من السودان وتشظيه الى دويلات ضعيفة.
عليه أرى إفساد وإبطال المخطط بالآتي:
أولاً: التعامل في مسألة حلايب بكل هدوء ومرونة تكتيكية، وعدم الاستجابة لأي استفزاز مصري، لأن أزمة حلايب موروثة فشلت كل الأنظمة السابقة في حسمها بصورة نهائية، ولأن إفرازات أي تصعيد قد يطال العلاقة الحميمة الصادقة مع السعودية والامارات اللتين تكنان تقديراً واحتراماً للسودان، خاصة بعد مواقف الرئيس البشير الشجاعة الأصيلة أصالة الشعب السوداني كله في تعظيم الأخوة العربية الإسلامية التي تقودها السعودية، والتي لن تتوانى في دعم السودان في الوقت المناسب.. أي تصعيد في قضية حلايب يخدم المخطط الرامي لعزل السودان، خاصة بعد العلاقة المتميزة الأخيرة مع السعودية والامارات.. والتهديد بمعاقبة مصر بأي شكل من الأشكال مثلاً وقف صادرات اللحوم، ومقاطعة طيران مصر، وتقليل حصة مصر من المياه لا تخدم أية قضية، لأن مصر سوف تتلقى دعومات مالية كبيرة تساعدها على تجاوز أزمتها الاقتصادية- أما تقليل المياه عبر نهر النيل لا يمكن عملياً، ولذلك لا داع للتهديد به ومنح المصريين ذريعة وفرصة لكسب الرأي العام العالمي، أو استدرار عطف المواطن المصري خاصة في مسألة مياه النيل.
ثانياً: إبداء مرونة وتنازلات لحسم جولة الحوار القادم في أديس أبابا بالتعاون التام مع الاتحاد الأفريقي وكسبه، وبذلك يمكن إبطال المخطط وحل قضايا السودان والحفاظ على أمنه وأراضيه ومواطنيه في تداول سلمي للسلطة لا يقصي أحداً.

عمر البكري أبو حراز
اخر لحظة


‫3 تعليقات

  1. ﻻزم ﻻزم اشهار سلاح المياه واللحوم بدون وجل وتردد اوع من تراجع وعدم الالتفات للمخزلين والحمقي…أبدو فقط كبدايه وشوف الثمره ح تكون شنو

  2. وما فجر السعيد ومحمد الملا الصحفيين الكويتيين ألا جزء من هذه الحملة التى يخطط لها الموساد واليهود وامريكا وهذين الشخصين مدفوعين للأثارة وتحريض الحكومة للتحرك ضد مصر ولكن شعب السودان كان حاضرا ومدركا فواجه الصحفيين بدون الحكومة ونجحو فى أفشال خطط الصهيونية واسرائيل ومن حالفها ….. وبالتالى حلايب وشلاتين سودانيتين وليست حكومتين والشعب يتحمل كامل المسؤلية عاجلا أم آجلا…. وليدرك الغرب وأسرائيل !!!!!!!