عالمية

التاريخ يقول.. صادق خان ليس أول عمدة مسلم يدير مدينة أوروبية.. تعرف على قائمة أسلافه


تداولت صحف العالم عنوان يكاد يكون موحداً “أول عمدة مسلم لمدينة أوروبية كبيرة”، وذلك بعد فوز صادق خان في انتخابات منصب عمدة لندن.

وهم بكل تأكيد يقصدون شيئاً من قبيل “أول عمدة مسلم لمدينة غربية أوروبية كبيرة خلال العصر الحديث”، أو لنقل مثلاً منذ قرنين من الزمان، لكن فكرة أن خان هو أول عمدة مسلم لمدينة أوروبية غير صحيحة من الناحية التاريخية بحسب تقرير لموقع “Juancole”.

حقيقة أوروبا المسيحية

و فكرة أوروبا “المسيحية” أو ربما “ما بعد المسيحية”، تعد بناءً افتراضياً لا يمكن تطبيقه إلا من خلال التخلص من كثير من كتب التاريخ.

فلم تكن أوروبا مأهولة خلال ذروة العصر الجليدي الأخير، وتحديداً منذ ما يقرب من 13-25 ألف سنة، حيث كانت تغطي معظم أراضيها ثلوج بارتفاع حوالي 3 أميال. وبعد انتهاء هذا العهد، شهدت أوروبا حالات كبيرة من الهجرة إليها، من المناطق التي تُعرف الآن بسوريا وتركيا، وأيضاً من أوراسيا وأفريقيا.

فقد أخذت المسيحية في الانتشار الفعلي بأوروبا منذ القرن الرابع الميلادي، وبحلول القرن الثامن، أي بعد 400 سنة فقط، كان ثمة تنافس شديد بينها وبين الإسلام في أراضي إسبانيا وجنوب فرنسا. حيث اعتنق أهل أوروبا الديانة المسيحية في تدرج زمني أبطأ مما يعتقده كثير من الناس، حيث ظل كثير من الناجين من الوثنيين وأهل البدع على معتقدهم لمئات السنين؛ لذا ينبغي أن يُنظر إلى معتقد أوروبا في العصور الوسطى على أنه تنافس ثلاثي بين الناجين من الوثنية، وانتشار المسيحية، وانتشار الإسلام.

الإسلام ديانة أوروبية

فالإسلام يعد ديانة أوروبية كبرى، حيث يبلغ عمر تراثه في أوروبا حوالي 1300 عام. وتضم قائمة رؤساء البلديات المسلمين المنتخبين في أوروبا كلاً من “إريون فاليدج” لمدينة “تيرانا” عاصمة ألبانيا، و”أحمد أبو طالب” لمدينة “روتردام” الهولندية، و”شبيند أحمدي” لمدينة “بريشتينا” عاصمة جممهورية كوسوفو. في المقابل انتخب أهالي مدينة “سارايفو” ذات الأغلبية المسلمة المسيحي “إيفو كومشيتش” لمنصب عمدة المدينة في عام 2013.

ومع العودة إلى التاريخ، فقد كانت كثير من مناطق إسبانيا واقعة تحت الحكم الإسلامي في الفترة بين 711- 1492 ميلادياً. لذا فعلى سبيل المثال، عُين عبد الرحمن الأول أميراً لقرطبة في عام 756. نحن نتحدث هنا عن مدينة أوروبية غربية، ففي القرن العاشر الميلادي كانت قرطبة المدينة الأكبر في العالم من حيث التعداد السكاني.

أما إمارة صقلية العربية المسلمة، فقد بقيت قائمة خلال الفترة بين عامي 831-1072. فمثلاً كان جعفر الكلبي أميراً لصقلية خلال الفترة بين 983-985، وبالتالي فقد كان عمدة باليرمو عاصمة إقليم صقلية.

وحكمت الخلافة العثمانية معظم أراضي اليونان الحالية في الفترة بين عامي 1458-1832. ويحتوي هذا الرابط على صورة لحاكم أثينا عام 1815 (أي قبل حوالي عشرة أعوام من حصول اليونان على استقلالها). وأعتقد أن أثينا تعد إحدى أهم مدن أوروبا الكبرى، وكانت تحت الحكم العثماني لحوالي 400 عام.

وقد حكم العثمانيون معظم أراضي المجر في الفترة بين عامي 1541-1699 للميلاد، وكانت مدينة بودا (الجزء الغربي من العاصمة المجرية بودابست) عاصمة الولاية التي كانت تتبع الإمبراطورية العثمانية آنذاك.

وعلى الرغم من هذا، فقد دعم العثمانيون الحركات البروتستانتية في المجر. وعلى سبيل المثال، صار عبد الرحمن عبدي باشا الألباني الحاكم العسكري لمدينة بودا في عام 1682. يمكن اعتبار مدينة بودابست أيضاً مدينة أوروبية كبرى.

كما كانت صربيا تحت الحكم العثماني خلال الفترة بين عامي 1402-1912، وعُيِّن حاجي مصطفى آغا من قبل السلطان حاكماً عسكرياً لبلجراد في يوليو من عام 1793.

ناهيك عن ذكر القسطنطينية أو إسطنبول، وهي إحدى أكبر المدن الأوروبية (حيث يعيش فيها حوالي 14 مليون نسمة)، فإن عمدة المدينة مسلم أيضاً وهو الدكتور قادر طوباس.

لذا فإن قيادة المسلمين لأكبر مدن أوروبا كانت أمراً عادياً لأكثر من 1300 عام، وحتى بداية القرن العشرين، كانت بعض مدن البلقان لا تزال محكومةً من قبل حكام مسلمين.

بكل تأكيد يعد فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن أمراً عظيماً وعلينا أن نشعر بالفرحة حيال فشل رهاب الإسلام والحملات الحاقدة التي يشنها المحافظون ضده؛ وذلك بسبب النوايا الحسنة لأهالي لندن.

ولكن علينا ألا نبالغ في حالة فقدان الذاكرة التي تضرب أوروبا والمتعلقة بحقيقة أن الإسلام والمسلمين كانوا دائماً جزءاً من تاريخها منذ القرن الثامن (في حين أن بيزنطة نفسها التي أسسها هرقل لم تدم سوى 100 عام فقط). وصادق خان ينحدر من أسلافه اللامعين من المسلمين الأوروبيين الذين كانوا قادة للمدن.

ولكنهم ليسوا منتخبون

وعلى الرغم من أن خان فاز بالمنصب عن طريق الانتخابات، بينما معظم الذين أشير إليهم هذا المقال شغلوا المنصب من خلال التعيين المباشر، فإن الحقيقة التاريخية أن التعيين هي الطريقة التي كانت متبعة على مر التاريخ.

فقد انتُخب أول مجلس لمقاطعة لندن في عام 1889، إلا أن أول عملية لانتخاب عمدة لندن وقعت عام 2000، مما يعني أن جميع من شغلوا منصب عمودية لندن العريقة كانوا معينين حتى وقت قريب.

ولكنهم كانوا غزاة

والتعليقات التي تقول إن هؤلاء القادة المسلمين كانوا غزاة ولم يكونوا مُنتَخبين هي ببساطة تعليقات سخيفة، فمعظم قادة المدن كانوا غزاة أو معينين من قبل غزاة وظل الأمر هكذا حتى وقت قريب.

فالنورمانديون حكموا البريطانيين، والقبائل الجرمانية في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا كانوا غزاة. والقبائل السلافية في أوروبا الشرقية، جاءوا بالأساس من الشرق. وهكذا فإن الأنظمة السياسية المسلمة لم تكن استثناءً.

هافينغتون بوست عربي