الصادق الرزيقي

ما بعد الوثيقة


> تجدنا على تطابق واتفاق مع الأخ الحبيب والصديق العزيز الاستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير الغراء «السوداني»، في تقييمه بأن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور بما أفضت إليه من نتائج ونجاح قد ظلمها الإعلام كثيراً ولم يعطها الاهتمام الكافي ولا ما ترتب عليها من ثمار دانية، وزاد من هذه القناعة بعد ان جمعنا مع الاخ ضياء لقاء كريم مع سعادة السيد احمد بن عبد الله آل محمود نائب رئيس الوزراء القطري والمسؤول الاول عن منبر الدوحة التفاوضي ووثيقته، خلال زيارته الحالية للسودان لحضور اجتماع يختص بوثيقة الدوحة، اكتشفنا فيها أن الجهود التي بذلت منذ قيام منبر الدوحة حتى وتوقيع الوثيقة، كانت جهوداً جبارة وعملاً مضنياً بذلت فيه دولة قطر كل ما في وسعها من اتصالات دولية وحوارات مع أطراف مختلفة في المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية واطراف النزاع في دارفور والحركات والمواطنين واصحاب المصلحة ودول الجوار السوداني، حتى تم التوصل للاتفاق والوثيقة التي تنتهي آجال ما نتج عنها من مؤسسات كالسلطة الإقليمية، بينما تبقى كوثيقة قابلة لضم بقية الحركات التي لم توقع، وهناك اجتماعات يتم الترتيب لها في قطر مع قادة الحركات المتمردة التي تخلفت عنها. > قيمة هذه الوثيقة المهمة ليس في انها نجحت فقط في استراداد دارفور لعافيتها وتحسن أوضاعها والاستقرار الذي تعيشه الآن، لكنها وفق ما يتم من حوارات حولها وتناول في أوساط دبلوماسية وسياسية إقليمية ودولية، تعتبر أنموذجاً فريداً لا مثيل له في العالم لتسوية الصراعات والخلافات وتحقيق السلام، فهي وثيقة مركبة الحلول والمحاور، لم تترك صغيرة أو كبيرة في قضية دارفور إلا ولمستها، وهذا سبب نجاحها الذي نحصد ثماره اليوم. > فما يجري اليوم في ولايات دارفور، بعد نهاية التمرد وخبو ناره ولم يبق منه إلا الرماد، يحسب لصالح هذه الوثيقة الشاملة التي لولاها لما شعر المواطن في دارفور بعد سنوات حارقة ومهلكة من المواجهات والصدامات والحرب، بأن كل شيء ممكن حدوثه وأن السلام تبنيه الإرادة الجبارة والقناعات الراسخة لدى اصحاب المصلحة أولاً قبل القيادات، فأي تقييم منصف لوثيقة الدوحة يضعها في مكانها الطبيعي كطوق نجاة للسودان كله كان يمكن أن يغرق في تلاطم الحروب والقرارات الدولية والتحيزات الغربية والمخططات المرسومة لتمزيق بلدنا واضعافها واخضاعها. > وفي ظل الظروف الراهنة بعد نهاية أمد وعمر السلطة الاقليمية، والظروف المتغيرة اقليميا والاضطرابات في بعض دول الجوار السوداني، ينبغي افتراع طريق ومسار لتعميق وتجذير لمرحلة جديدة يمكن اعتبارها مرحلة ما بعد الوثيقة، وذلك بتعزيز فرص التعايش السلمي وإشاعة ثقافة السلام والتصالح والتسامح بين كل مكونات دارفور، وتحريك القوى الحية في المجتمع وحكومات الولايات لمزيد من العمل لانجاز ما تبقى من مشروعات السلطة الاقليمية التي تنتهي مدتها في غضون اسابيع قليلة خاصة في مجال الاعمار والمصالحات ومشروعات البنى التحتية في مجال الطرق والمياه والكهرباء والمشروعات التي اعتمدها مؤتمر المانحين الذي عقد في الدوحة في 2014م، ويلحق بذلك تهيئة المناخ لجمع السلاح وتأمين الطرق والحدود. > ولا يمكننا بأي حال من الأحوال إيفاء حق دولة قطر علينا في الثناء والشكر في كل ما بذلته وتبذله من اجل الاستقرار في دارفور والسودان كله، فقد كانت نعم الشقيقة لبلدنا والحريصة عليه، وقفت معنا في احلك الظروف، واستطاعت بحكمتها وحكمة قيادتها المشي فوق حقول الأشواك والالغام ومواجهة عواصف من المعيقات والعراقيل حتى تحقق السلام في دارفور، ونشهد لها بأنها تابعت خطوات السلام خطوةً بخطوةً، وتابعت جهود الإعمار والمصالحات ومصالح اصحاب المصلحة وبناء قرى العودة الطوعية وتحقيق استحقاقات الوثيقة، وتنفيذ ومتابعة بعض وعود المانحين التي بلغت اكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات، وكل ذلك الجهد من أجل الاستقرار والسلام في السودان، وليس لتحقيق مكسب سياسي، ولا مصلحة أياً كانت، فما يربطنا بدولة قطر أقوى من الحسابات السياسية الطارئة أو المصالح العاجلة.