حسين خوجلي

أفكـــــار لها سيقــــان


< سألني عن بعض الوجوه والمسالك التي تصنع من السياسي انتهازياً.. قلت له: يصبح كذلك عندما يكون الكتاب الوحيد في حياته ترجمة رديئة لسفر الأمير حيث الغاية تبرر الوسيلة. وحينما تصبح الأغنية الوحيدة السرية في حياته، هي عقدته حين طُرد عن بنت الأكابر؛ إنتي ما بدوكي لي زولاً مسيكين .. إلا زولاً نخلو مقرون في البساتين.. الذي إن سألوه: من يشجع؟ يقولها دون مواربة : القرش الأسود لليوم الأحمر.. فيلمه السينمائي المفضل» الهلفوت.« وعمله الذي يعتز به رسالة الدكتوراة التي لم يكملها ويحمل لقبها في صفاقة. مدينته المفضلة مدينة غير فاضلة.. وفي خرائب نفسه تعيش سوبا وخرابها الشهير. نصيحة والده التي لا ينساها: كن مع السلطان ولا تكن مع الإنسان، حيث المطايا مع هذا خير من الهِداية مع أولئك. وغادرني صديقاً مذهولاً قبل أن أكمل له بقية المسالك في بناء القصور وانهيار الممالك. < الراحل حسين عثمان منصور كان سياسياً وصحفياً وشاعراً وعاشقاً كبيراً »وقيافة« مع لؤم في العبارة وشجاعة بلا حدود وتعدى على الكثير من المسكوت عنه وكان شعار جريدة الناس (الصحيفة التي لا مرتجع لها).. كانت صحيفته مقلاة للسياسيين وأهل الكورة والفن والمجتمع.. كانت له معركة شهيرة مع كل سياسي وكل مفكر وكل شاعر وكانت له مسميات للجميع.. وحين يئس من مهاجمة الحزبيين قاد معركة ضد الشاعر العذب والموهوب حسين بازرعة الذي أسماه (حسين باسرقة) حيث أدعى أن أغلب أشعاره وعباراته مقتبسة من المهجريين.. ولم تهدأ المعركة إلا بعد أن غنى له عثمان حسين صديق بازرعة: (الروح بالروح): وحياة عيون الصيد الغارو من عينيك وحياة طهارة الريد الساجدة بين إيديك أنا ببكى أنا بشكى منك وليك ولحسين عثمان منصور أغنية (عهد الرشيد) أخطر ما غنى سيد خليفة وما لحّن برعي محمد دفع الله وهى من الأغنيات التي اغتالتها الرقابة رأفةً بآخرة أصحابها ورأفة بعاجلة الناس.. ولحسين عثمان منصور أسلوب لاذعا في النقد السياسي، ومما يذكره الناس في (الناس) أنه إنتقد يوماً أزمة الصابون التي عمّت في تلك الفترة لتباطوء وزير التجارة في إستخراج رخص المدخلات فكتب قائلاً»: زار الوزير فلان الفلاني مصنع … للصابون في رحلة تفقدية وقد أهدى له صاحب المصنع كرتونة صابون، وفي اليوم التالي زار ذات المصنع الوزير الغريم علان الفلتكاني فأهداه صاحب المصنع نصف كرتونة صابون.. فقال له الوزير غاضباً: لماذا أهديته البارحة كرتونة كاملة وتهديني اليوم نصف كرتونة؟ فرد صاحب المصنع في سخرية وابتسامة: لأنه أقل نظافة منك يا سيادة الوزير«. وها نحن نجمّلها وننظّفها يا صاحب الناس لأن الكلمات كانت أبشع.. وعندما كانوا يلومونه على كلماته الجارحات كان يرد عليه الرحمة قائلاً: (مهما كانت الكلمات جارحة وقارصة ولئيمة فهى أكثر طهراً من الفساد السياسي). < بالرغم من أننا نمارس مهنة النزف يوماتي.. فهنالك الكثير من الأذكياء الذين يقابلوننا مستفسرين لماذا لا تكتبون؟ فتسعفنا عبارة الراحل أحمد بهاء الدين: نحن يا سادتي نكتب فقط الذي ينشر. < تكاثرت دعايات النغمات من كل حدب وصوب ولكنني لم أجد نغمة واحدة تبوح هامسة: ما تقول ضعت من إهمالي أنا عامل الحزم راسمالي بس أيامي ما باسمالي وظروفي القاسية متقاسمالي < قال لي أحد السياسيين الجدد من أولاد المدن: وهل في الشعر القومي من مفهوم متكامل للوطن؟ قلت: الكثير.. ولكن ما بقي في الذاكرة: الرهد البقوقي دباسو ردتو جميعو قمريهو وبلومو وناسو على البعيد أكتافو من خراسو دودو بي واندفقن جماجم راسو ٭ نصيحة موظف زكاة أحد شبابنا تمّ تعيينه لصندوق الزكاة وسألنى نصيحة، قلت له: ليس لي لك أكثر من نصيحة: (اتق الله – بإجمالها – أما التفصيل فقد قال به الإمام الثوري: لا تكن في هذا الزمان إماماً ولا مؤذناً ولا عريفاً ولا تأخذ من أحد مالاً لتفرقه على الفقراء.. < إن سيد قطب قلما كان يتحدث في السياسة بمعناها الحرفي، إلا أنه سمع في إحدى ندوات القاهرة يقول»: إن أهون معارك الصليبيين والصهاينة هي معارك السلاح والعتاد والمواجهة.. لأن وضوحها يستوجب مقاومتها ويمد الجماهير بالتعبئة المضادة. وأن أخطر معاركهم هى المعارك المدنية التي تُدار ما بعد الحصون سياسية واقتصاداً واجتماعاً وإعلاماً وتخابراً.. لأن هذه تعتمد على الدس والكيد وهم فيه أساطين.. وهزيمتهم للمسلمين تتم على طريقة» المراحل« دون أن ينتبه الشعب للمواجهة أو التعبئة. وهنا تؤخذ أمصار الإسلام »على حين غرة«. أرجو أن أكون قد نقلت كما قرأت، لأن أسلوب سيد لا يجارى.. ٭ كما أرجو أن تكون عزيزي القارئ قد فهمت بأن المعركة الآن تُدار ضد » السودان بالقطاعي«. الذي أعلمه تماماً أن» حقنة السم« قد دخلت في الذراع وصاحب الذراع نائم.. أما الذي لا أعرفه تماماً »متى يكملون غرس الحقنة الثانية«.. ولا أعلم متى يعلنون لحظة الإجهاز على الضحية إكلينيكياً أو إعلامياً. وأما الذي أعرفه تماماً ولا أعرفه تماماً، أنك تعلم الكثير وأهلك يقولون في الجزيرة »الواعي ما بوصوا «وإنك، أعني بها الجماهير. < ومن الهدايا.. جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية قالوا: يا رسول الله! هذا شر صاحب في الأرض. قال: فو الذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم). وقد أنشدوا في هذا المعنى: أشكو إلى الله نفساً ما تلائمني تبغي هلاكي ولا آلو أناجيها ما إن تزال تناجيني بمعصية فيها الهلاك وإني لا أواتيها أخيفها بوعيد الله مجتهداً وليس تنفك يلهيها ترجيها < روي عن عمر بن عَبْد الْعَزِيز أنه دخل عَلَيْهِ رجل فذكر عنده وشاية في رجل آخر فَقَالَ ‏عمر : إن شئت حققنا هَذَا الأَمْر الَّذِي تَقُول فيه وننظر فيما نسبته إليه .‏فإن كنت كاذبًا فأَنْتَ من أَهْل هذه الآيَة : ( إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) وإن كنت ‏صادقًا فأَنْتَ من أَهْل هذه الآيَة : ( هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) وإن شئت عفونا عَنْكَ فَقَالَ : ‏العفو يا أمير الْمُؤْمِنِين لا أَعُود إليه أبدَا . وفي هذا المعني قال الشاعر: إِذَا وَاشٍ أَتَاكَ بِقَوْلِ زُورٍ ‏ ‏ فَلا تَدَعِ الصَّدِيق لِقَوْلِ وَاشِي وَلا تُخْبِرْ بِسِرِّكَ. كُلُّ سِرٍّ ‏ ‏ إِذَا مَا جَاوَزَ الاثْنَيْنِ فَاشِي وَلا تَصْحَبْ قَرِينَ السُّوءِ وَانْظُرْ ‏ ‏ لِنَفْسِكَ مَنْ تُقَارِنُ أَوْ تُمَاشِي < عمارة القلب في أربعة أشياء في العلم النافع والتقوى وطاعة الله وذكره وخرابه من أربعة أشياء من الجهل والمعصية والاغترار والغفلة والنسيان الله. < ومن عظة الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز.. أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة لها في كل حين قتيل تذل من أعزها وتفقر من جمعها هي كالسم يأكله من لا يعرفه وفيه حتفه فكن فيها كالمداوي جراحه يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا ويصبر على شدة الدواء مخافة طول الداء، فأحذر هذه الدنيا الخداعة الغدارة الختالة التي قد تزينت بخدعها وقتلت بغرورها وتحلت بآمالها وسوفت بخطابها. فأصبحت كالعروس المجلية العيون إليها ناظرة والقلوب عليها والهة وهي لأزواجها كلهم قالية، فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر بالأول مزدجر. < من أقوال الإمام الشافعي رضي الله عنه: – ما شبعت منذ ستة عشرة سنة إلا شبعة طرحتها، لأن الشبع يقتل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة. – وقال رحمه الله: أشدّ الأعمال ثلاثة: الجود من القلّة. والورع في الخلوة. وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف. إذا أنت خفت على عملك العجب، فانظر: رضا من تطلب، وفي أي ثواب ترغب، ومن أي عقاب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر. فانك اذا تفكرت في واحدة من هذه الخصال، صغر في عينك عملك.


‫3 تعليقات

  1. جريدة حسين عثمان منصور هى الصباح الجديد وليس الناس والتي كان يملكها محمدمكى محمد

  2. حسين عثمان منصور صاحب الصباح الجديد ما الناس الناس صاحبها محمد مكى محمد الاختفى فى ظروف غامضة ببيروت اول ايام حكم مايو

  3. رحم الله محمد مكي الذي طوته ظلمة بيروت، ورحم الله الشاعر الفذ محمد مفتاح الفيتوري صاحب سلسلة في عموده الأسبوعي (أفكار لها سيقان) بمجلة: (هنا أم درمان) الصادرة عن وزارة الاستعلامات والعمل في عهد الرئيس الراحل إبراهيم عبود رحمه الله… عنوان مقالك يا حسين خوجلي ينطبق قول حسين عثمان منصور لبازرعة (با سرقة)… ذاكرة القارئ السوداني لا تخبو أيها الصحفي الهمام.