تحقيقات وتقارير

الحسن الميرغني بين إصلاح الدولة وإصلاح الحزب


عبد الله عبدالرحيم ..ظلت العلاقة السياسية بين الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الوطني، محل تجاذب الكثير من التقاطعات داخل حزب الاتحاديين الذين باتت رؤاهم بين الفينة والاخرى للشراكة السياسية تتغير بتغيير المواقف المحيطة بالحزب، خاصة وأن امر الحزب منذ قدوم زعيمه الميرغني من مسكنه الاختياري في مصر وقتها وإعلانه الشراكة مع الحزب الحاكم جرت بعده الكثير من الأحداث وتركت فراغاً وآثاراً لم تستطع القيادة معالجتها إلى أن تم اختيار السيد جعفر الصادق مندوباً دائماً بأمر الحزب إنابة عن والده وشغل مقعده بجانب نجل الإمام الصادق المهدي عبدالرحمن الذي نجح أكثر من قرينه ابن زعيم الاتحاديين الذي بادر بالمغادرة جراء ربما اصطدامه بمياه القصر الدائمة الغليان. ويقول بعض المتابعين أن نجل الميرغني جعفر لم يستطع معاركة السياسة في القصر لأنه في الأصل لم يكن متشرباً لها كوالده، ولكن سرعان ما أعاد الميرغني روح الزعامة للحزب بإيفاده نجله الحسن الميرغني رئيساً للحزب وحاكماً بأمر والده لمقاليد الأمور داخل المؤسسة الاتحادية وقائماً بأمره في الوقت الذي بدأت قيادات تاريخية داخل الحزب تسوق لعملية انسلاخ الحزب عن شراكته مع الوطني مع قرابة قيام الانتخابات الرئاسية العامة في العام 2010 م، وقد نادت قيادت الحزب بضرورة مقاطعتها والانخراط في صفوف الأحزاب المقاطعة، ولكن الحسن الميرغني الذي لم تعرف قيادات الحزب عنه الكثير وقف بصلابة ضد كل من ينادي بمقاطعة الشراكة السياسية مع المؤتمر الوطني وبالتالي قام بفصل العديد من القيادات التاريخية التي ظلت تنادي بمقاطعة النظام الحاكم والعودة لمربع المعارضة. وكان السيد محمد الحسن الميرغني قبل أن يقرر تغيير مواقفه المثيرة للجدل تجاه الحكومة، قد اشتهر من خلال شنه تصريحاته نارية عبر الأسافير على سياسات النظام ومشاركة ممثلي حزبه في الحكومة وهذا الأمر قاد الى ميلاد تيار اصلاحي ينادي بضرورة ضخ الدماء الحارة في أوردة الحزب العجوز، في وقت حظي فيه الحسن بتأييد واسع وسط قيادات الحزب الشبابية. ولكن بالمقبل كان هناك من قابل فكره التجديدي بشيء من التحفظ بل هناك من جنحوا إلى إطلاق شائعات بظهور خلافات بينه ووالده وإطلاق شائعة مفادها أن الميرغني الأب نقل صلاحياته كاملة لنجله، الأمر الذي نفته قيادات اتحادية، ويعد رفض الحسن المشاركة في الحكومة من أبرز مواقفه التي ظلت تحسب عليه قبل أن يغير موقفه هذا عقب توقيع حزبه اتفاقاً مع المؤتمر الوطني مما حدا بوالده تعيين شقيقه جعفر الصادق في منصب مساعد رئيس الجمهورية، والشاهد على التبدل في المواقف أن لقاء جمع بينه ورئيس الجمهورية الذي حظي بشيء من التعتيم قبل أن تنتشر فحواه التي جاءت في إطار تعزيز الشراكة وتنسيق المواقف السياسية، وهذا ما أدى لفتح باب الانتقادات على مصراعيه من قبل أنصار الحزب الذين صبوا جام غضبهم على الميرغني الصغير. فاقد الشيء القيادي بالحزب د. علي السيد وهو من ضمن المناهضين والرافضين للمشاركة في الانتخابات الماضية وصف التفويض بأنه كلام مدهش لجهة ان الحزب ليس شركة، حيث يوجد دستور ولوائح لا تخول تفويض الصلاحيات مطلقاً، وأضاف وإن كان هناك شيء فيجب على رئيس الحزب مخاطبة المكتب السياسي والقطاع السياسي لتفويض هذه الصلاحيات اللهم إلا إن كان الحزب مؤسسة خاصة. وقال على العموم أنا على قناعة كاملة بأن السيد محمد عثمان الميرغني لم يقم بتلك الخطوة ومن نقلها لا علاقة له بالحزب، وهو مريد في الطريقة الختمية عضو اللجنة القانونية العجبة محمود حسين. قال ان صح الخبر فإن الميرغني يريد إعطاء السيد الحسن مزيدا من البعد السياسي الذي فقده في الفترة السابقة نتيجة مفارقته لقواعد الحزب التي تصدت له بوعي كبير فيما كانت النتيجة التي تحصل عليها مخيبة بكل المقاييس، وفي ظل تشكل مزاج عام داخل الحزب فلن يخدم التفويض الحسن مطلقاً ومن ناحية القانونية يري العجبة أن القرار ليس له جدوي قانونية وحول احقية الرئيس نقل صلاحياته أكد قائلاً إذا كانت دورة انعقاد المؤتمر العام قائمة فمن حقه نقل صلاحياته ولكن دورة الانعقاد انتهت منذ شهر يونيو من العام 2014 وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه. أما عضو قطاع التنظيم بالاتحادي الأصل يس عمر حمزة فله رأي مغاير لرأي العجبة، حيث قال إن التفويض خطوة قانونية 100% وتستند إلى دستور الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يعطي الرئيس الحق في تكليف من يشاء وقت ما يشاء، وهذا التكليف صادف أهله. فالسيد الحسن يقوم بأعباء الحزب منذ مدة وهو من تم تكليفه بإدارة ملف الانتخابات وبالتالي التكليف ليس بجديد عليه. وحول رفض مجلس الأحزاب السلطات والصفات التي يسبغها الحسن على نفسه، قال حمزة: مجلس الأحزاب لو راجع دستور الحزب لعلم أن من حق رئيس الحزب تكليف من يشاء وقت ما يشاء إذ لا تناقض مطلقاً بين الخطوة والدستور. مبادرة «181» يوماً وفي بادرة نالت العديد من التهكم من قبل بعض أنصاره ومن قيادة قوات التحالف المعارض، كان أمين التنظيم بالحزب محمد الحسن الميرغني قد قطع بأنهم سيقومون بتغيير حال البلاد خلال (181) يوماً حتى وإن كانت حصيلة حزبهم في الحكومة قليلة، مضيفًا أنهم سيهتمون بالشأن الاقتصادي، وأعلن أن حزبه في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، في وقت أكد فيه رضاءهم بأية نسبة يحصل عليها الحزب فيها، وقال: «الحكم بنتائج العمل وليس بالعدد والنسب». وفي سياق ذي صلة أكد الميرغني أنهم أوضحوا لرئيس الجمهورية في لقاء سابق أنه لا اتجاه لسحب الوزراء الحاليين الذين يمثلون الحزب الاتحادي، خاصة وأن تعيينهم جاء وفق اتفاق مسبق مع الحكومة. وبالمقابل فشلت في وقت سابق مبادرة الميرغني الأب زعيم الحزب الاتحادي للساحة السياسية والتي نادى من خلالها بضرورة إجماع القوى السياسية على وحدة الكلمة ووحدة الوطن، وأورد فيها كل ما ظلت تطالب به قوى الإجماع الوطني، ورغم ذلك فشلت ولم تجد من يستمع لها ويعيرها الاهتمام. ويعزو بعض المتابعين فشل مبادرة الميرغني لأن من أطلقها “الميرغني” بعيد كل البعد عن المعارضة وأحزابها، وظل موقفه معارضاً لمواقف قوى الإجماع الوطني، في وقت انتقدت فيه جهات سياسية معارضة هي الأخرى السيد الميرغني ومبادرته وقالوا إن من الأولى أن يجتهد صاحب المبادرة في لم صفوف حزبه المتشظية، “حكومة ومعارضة”، ورغم أنه حشد لها أطرافاً دولية وإقليمية كمراقبين إلا أنه لم يشفع لمبادرته أن تجد القبول وسط الفئة المستهدفة من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة. ونعود لمبادرة الـ(181) يوماً التي قوبلت بمزيد من التهكم، حيث وصف بعضهم الحسن بأنه فاقد للشيء وفاقد الشيء حقيقة لا يستطيع أن يعطيه ولذلك كانت مبادرته ضرباً من ضروب الخيال بحسب متابعين. وأكدوا أن الأفق السياسي للحسن لم يتشكل بعد بالصورة التي تمكنه من أن يملي خانة أسلافه في قيادة الحزب، ولكن الكثيرين يرون في الخطوة أنها مجرد توريث. تقييم فترة الحسن كثيرون ظلوا يشيرون إلى أن الحسن الميرغني جاء للحزب بصورة دراماتيكية، حيث أن السيد الميرغني لم يستشر المكتب السياسي، بل إن بعض أعضاء المكتب السياسي للاتحادي مثل الشيخ حسن ابو سبيب يرى أن المكتب ديكوري ولا علاقة له بما يجري في الحزب من خطوات جوهرية كان ينبغي له أن يكون له فيها رأي دعماً أو قدحاً. وهذا بدوره يبرهن أن مقدم السيد الحسن الميرغني لزعامة الحزب لم يكن مرحباً به حتى من طائفة الختمية او الذين يمثلون الختمية كالشيخ ابو سبيب، ولذلك لم يستطع إقناع القيادات بالالتفاف حوله أو مساندته للنهوض بما جاء من أجله. ولكن آخرين يرون أن الميرغني نجح في الملف فلولاه لما استطاع الحزب خوض انتخابات 2010 التي شارك فيها الحزب معلناً استمراره في الشراكة في الوطني. وعمل الحسن الميرغني على تفتيت عرى الذين يخالفونه الرأي والموقف، فعمد إلى فصلهم أو إيقاف بعضهم ولم ينج أي منهم من العقوبات التي تجردت لهضم حقوق الاتحادي كحزب مشارك. واختلف بعض الذين استطلعتهم الصحيفة من قيادات وأعضاء الحزب حول أن يكون الميرغني قد نجح في مهمته الموكلة إليه من قبل زعامة الحزب. وأشار البعض إلى أن إخفاقات الحسن فاقت نجاحاته القليلة في أنه حمل الحزب على خوض الانتخابات فقط والمحافظة على الشراكة مع الحزب الحاكم، ولكن هؤلاء يرون أن الحسن خلق هوة كبيرة بين قيادات الحزب التاريخية وبين الزعامة التي يتقلدها الميرغني. قيام المؤتمر وكانت العقبة الوحيدة التي تواجه قيادات الحزب هو انعقاد المؤتمر العام الذي ظلوا ينادون به منذ أكثر من أربعين عاماً. وقد أكد الشيخ حسن ابوسبيب أن الحزب لم يعقد مؤتمره منذ أكثر من اربعين سنة. وقال إن آخر مؤتمر كان في مدينة القناطر بمصر في العام 1964م حيث حالت الظروف دون انعقاده بالداخل. ولما جاء الحسن بأمر من الميرغني لقيادة الحزب لم يفلح في عقد المؤتمر العام، وقد طالبته قيادات الحزب بضرورة عقده. ليس هذا فحسب وإنما قانون الأحزاب ووفقاً لإصدارات ومطالبات مجلس الإحزاب فإنه من الضروري أن يعقد كل حزب سياسي مسجل مؤتمره العام بعد مرور خمس سنين كدورة حزبية وفقاً للوائح العامة للمجلس ولقانون الأحزاب المتفق عليه. وارتفعت بعض الأصوات مطالبة الحسن في وقت سابق بعقد المؤتمر العام ما ادى إلى حدوث فجوة سياسية تنظيمية داخل الحزب بمحاولات البعض الانسلاخ عن طاعة الحسن نجل الميرغني، بل وطعن أولئك في شرعية زعامة الميرغني نفسه، بيد أن البعض منهم أقر بزعامته ولكنهم طالبوا بضرورة إحياء مؤسسات الحزب التي أصابها الهرم والشيخوخة. وبحسب الإخبار الواردة أن رئيس الجمهورية البشير سيلتقي خلال هذه الأيام نجل زعيم الاتحاديين الحسن الميرغني، وسيبحث اللقاء مسألة توزيع المهام في رئاسة الجمهورية، حيث أوكلت مهام جديدة للحسن مساعد رئيس الجمهورية. وتقول المصادر إن الترتيبات أكدت أن الميرغني سيباشر مهامه من داخل القصر بدلاً من جنينة الميرغني. إضافة إلى تسريبات تشير إلى أن الحسن أوكلت إليه مهمة الإشراف على مجلس الصداقة الشعبية العالمية. فهل سينجح نجل الميرغني هذه المرة أم أن الغياب الاضطراري سيتكرر مرة أخرى عن الساحة بحجج مغايرة؟!

الانتباهة