رأي ومقالات

مبادرة السلام والإصلاح.. وحكومة التكنوقراط ..


بادئ ذي بدء، أرى لزاماً عليّ عند الحديث عن حكومة التكنوقراط التي شكلت المعالجة المفتاحية لمبادرة السلام والإصلاح التي تقدم بها ثنتان وخمسون شخصية، وصفت نفسها أو وصفت بالشخصيات القومية، وفي ذلك نظر، كما يقول جمهور الفقهاء، أن أقدم بين عينيّ القارئ الكريم تأصيلاً لغوياً لكلمة تكنوقراط، ثم أبسط القول باختصار غير مخلّ، حول مفهوم مصطلح الحركة التكنوقراط. فكلمة تكنوقراط أصلها يوناني، مؤلفة من كلمتين هما تكني «فني وتقني» وكراتس «سلطة وحكم» والتكنوقراط هو مصطلح سياسي نشأ مع اتساع الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي، وهو يعني حكم العلماء والتقنيين. والتكنوقراط تستخدم في القاموس السياسي المعاصر للتعبير عن شكل من أشكال الحكومة والتي تعني حكومة كفاءات مهنية تغيب عنها الشخصيات الجزئية السياسية. وقد نشطت الحركة التكنوقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن العشرين، إذ ضمت تلكم المجموعات أصحاب العلوم في الاقتصاديين والمهندسين والأطباء وعلم الاجتماع وغيرهم، كحجة ضرورة استخلاص قوانين الحكم بعد عملية قياس لظواهر اجتماعية، الآن تلك الظواهر تحمل من التعقيدات ما يشكل على السياسين فهمها، والسيطرة عليها، ومن ثم معالجتها علاجاً جزرياً. ويقوم هؤلاء التكنوقراط باستيلاد مفهوم الشرعية العقلية، وهي من أبرز مميزات التكنوقراطيين، وتقدم على أساس هذه التصورات عملية التحديث، وصولاً إلى معالجات لكل القضايا الشائكة، فهم ينظرون إلى أنفسهم، وينظر إليهم البعض، بأنهم المخلصون عندما تشتد المضاغطات المجتمعية وتعجز السلطة الحاكمة عن معالجة الوضع الراهن، وإحداث قدر من الانفراجات السياسية والاقتصادية. أحسب أن الكثيرين من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه، وبعض المتابعين للحراك السياسي السوداني حكومة ومعارضة فوجئوا بأن هنالك مجموعة من كرام المواطنين، توافقت على تقديم مبادرة للسلام والإصلاح إلى السيد رئيس الجمهورية، حرصاً منهم على المشاركة الفاعلة للإسهام في معالجة قضايا الوطن، وأن هؤلاء الاثنين وخمسين شخصية، اختزلت مبادرتهم في حكومة التكنوقراط، وفي الحقيقة اطلعت على بعض ما جاء في وثيقة المبادرة شفاهة من بعض المشاركين فيها، إذ أن اللجنة المصغرة التي صاغت الوثيقة حرصت على سريتها وكتمان أمرها حتى لا تتسرب قبل وصولها إلى السيد رئيس الجمهورية، المستهدف بها، فلذلك طلبت الأعضاء بالموافقة على الوثيقة بعد قراءتها عليهم، ولكن بعضهم رفض هذا النهج وأمر على الاطلاع ثم التوقيع ثم إعادتها، بحيث لا تكون في حيازة غير ذاكم النفر القليل الذي توافق عليه الأعضاء، إنها جاءت ضمن استحقاق دستوري من خلال انتخابات رئاسية حددت أصل الفترة الرئاسية بعام 2020م، كما لم يغب عن كثير منهم أن هذه المبادرة قد تعد خصماً من الحوار الوطني الذي باتت مخرجاته في مراحلها النهائية من حيث الإجازة أو التعديل من قبل الجمعية العمومية للحوار الوطني. وإن كنت أرى أنه كان من الضروري ضمن التسريبات التي سربتها اللجنة المصغرة للمبادرة، بحجة إحداث حراك سياسي ومضاغطة على الرئاسة لسماع صوتهم من خلال وثيقة مبادرة السلام والإصلاح كإحدى المبادرات الوطنية لمعالجة قضايا الوطن وهموم المواطن، الحديث عن عدم اعتراضهم على مخرجات الحوار الوطني، ولكن سعيهم هذا من مقاصده، إذا ما وجد الرضا والقبول الرئاسي، فإنهم اتفقوا على أن يشكلوا طريقاً ثالثاً لإحداث السلام واستدامة الاستقرار من خلال تشكيل وفد يطوف على الحركات المسلحة والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي لإقناعهم بضرورة إعلاء كلمة السلام، كل ذلك بجهدهم الخاص وحر مالهم من غرساء دعائم السلام والاستقرار في البلاد، وتضمنت الوثيقة بعض الإضاءات التي كان ينبغي التركيز عليها كالعمل على رفع العقوبات عن السودان وإزالة اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، حسب التصنيف الأمريكي، إضافة إلى المجاهدة في سبيل إنهاء المقاطعة الاقتصادية المالية التي يعاني من ويلاتها الشعب السوداني بأسره، لا سيما شرائحه المجتمعية الضعيفة. أخلص الى أن ما أثارته وثيقة مبادرة السلام والإصلاح من حراك سياسي داخل السودان وخارجه، رغم التكتم على مضامينها، ومواجهتها من قبل بعض الأحزاب السياسية على رأسها حزب المؤتمر الوطني «الحزب الحاكم » وحزب المؤتمر الشعبي «الداعم الأكبر للحوار الوطني»، قد يكون سبب هذه المعارضة ان تسريب الوثيقة اختزل المبادرة في حكومة التكنوقراط، وهي ليست محل إجماع لدى كثير من السياسيين السودانيين، إذ أنهم لا يريدون أن يجربوا المجرب. فحتى لا تظلم هذه المبادرة في غياب المعلومة ينبغي أن يصطبر منتقدوها إلى حين الإلمام بها، بعد أن يطلع عليها السيد رئيس الجمهورية ويحسم أمرها، ليتداول حيثياتها بعد ذلك السودانيون باعتبارها رافداً من روافد حل المشكلة السوداني، وينبغي التأكيد على أنها لا يجب أن تكون خصماً من الحوار الوطني او بديلاً له، بل نحسبها طريقاً ثالثاً في البحث عن تحقيق السلام وإرساء دعائم الاستقرار، وتمكين التنمية المستدامة لوطننا السودان.

إمام محمد إمام

الانتباهة