مقالات متنوعة

أ.د. حسن مكي : قراءة في مذكرات أحمد الشقيري 1-2


بدأت في كتابة هذه المقالة في يوم 25 فبراير وهي الذكرى 36 لوفاة الشقيري وترددت كثيرا في مطالعة المذكرات، الصادرة من مركز دراسات الوحدة العربية، لسببين:
أولا أنها ستة مجلدات وقرابة الخمسة آلاف صفحة، فأين سأجد لها وقتا.
ثانيا: ارتسمت صورة سلبية في ذهني عن الشقيري، لأن جيلنا كان يحسبه لا يحسن إلا الخطابة وكان يحمله جزئيا مسؤولية نكبة 1967م ولكن تغيرت الصورة في ذهني بعد قراءة المذكرات حيث وجدت شخصية ذات قدرات فكرية وطاقة تنظيمية وشجاعة ولكن ظلمته الظروف، وأوضاع العالم العربي، حتى أنه مات في عام 1980م في المنفى في تونس، علما بأنه ولد في ظل الدولة العثمانية في جنوب لبنان، حيث كانت تعرف بولاية بيروت، وولاية بيروت كانت تضم فلسطين ولبنان، وكان والده من كبار رجال الدولة العثمانية.
ومع أن والده فلسطين، إلا أن والدته تركية، في ذلك الزمن كان التبعية أو الجنسية هي العثمانية لا فرق بين سوري وفلسطيني وأردني الخ، ولد في جنوب لبنان ثم انتقل إلى طولكرم في طفولته في فلسطين مع والدته التي أصبحت طليقة ولكن تزوجها عمه (شقيق والده) ولكن عمه ووالدته توفيا ولم يتجاوز الثامنة من عمره، فأرسل ليلتحق بأسرة والده في عكا المدينة الفلسطينية المشهورة.
ويحكي أنه لأول مرة يشاهد والده ولكنه كان منبوذا في الأسرة ويسكن مع الخدم، لأن زوجة أبيه لم تكن راغبة فيه، ولكنه أثبت نبوغا في الدراسة حيث أكمل دراسته المتوسطة في عكا ثم الثانوية في مدرسة صهيون في القدس، ثم قبل في الجامعة الأمريكية في بيروت وكان من زملائه في الجامعة الزعيم السوداني إسماعيل الأزهري، ولكنه طرد من الجامعة لنشاطاته السياسية ضد الاستعمار الفرنسي وضد الهجرة اليهودية في فلسطين وكان عمره حينها 19 عاما.
ولكنه لم ييأس والتحق بكلية القانون في القدس.
وتخرج محاميا ثم أصبح نقيبا لمحامي القدس عام 1941 وعمره 33 عاما، ثم تابع ترقياته ليبرز في المكتب العربي في القدس ثم يرأس وفد فلسطيني في الأمم المتحدة 1948م، ثم اختارته سوريا ليرأس وفدها في الأمم المتحدة 1948- 1957، ثم اختاره الملك سعود رحمه الله ليرأس وفد السعودية في الأمم المتحدة ابتداءً من 1957م حتى عام 1963 ولكن في أغسطس عام 1963م أمر صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بإنهاء عمله في الخارجية، وكان الأمير فيصل محقا في ذلك، لأن الشقيري كان قلبه مع عبدالناصر ولمدة عام كامل رفض أن يمتثل للتعليمات السعودية بخصوص عرض التدخل المصري في اليمن على مجلس الأمن، بخصوص الصراع بين الجمهوريين بقيادة عبدالله السلال والملكيين بقيادة الإمام البدر وحينها كانت السعودية مع الإمامية (الشيعة الزيدية) ضد الجمهوريين.
وفي نفس العام تم اختياره ممثلا لفلسطين لدى الجامعة العربية، وأعلن قبوله للمنصب دون راتب ويذهب الراتب لصندوق فلسطين للتحرير وعارض بشدة الحاج أمين الحسيني هذا الاختيار لأنه كان يرى نفسه الأب الروحي للكيان الفلسطيني .
وكان من أولي إسهاماته نجاحه في تحقيق حلم الفلسطينيين بإيجاد كيان يمثلهم وما هم فيه من ضياع وتيه وتشرد، فانعقد برئاسته المؤتمر الأول لقيام المجلس الوطني الفلسطيني في نوفمبر 1964م وحضره المرحوم الملك حسين ملك الأردن، ومن رحم هذا المؤتمر خرجت منظمة التحرير الفلسطينية، وكان أهم توصيات المؤتمر رفض التدويل والتقسيم والتوطين وتعاقب على عضوية المكتب التنفيذي تحت الشقيري أسماء كبيرة مثل خالد الفاهوم، وأحمد صدقي الدجاني وحيدر عبدالشافي وشفيق الحوت وعبدالمجيد شومان، فائز الصائغ… الخ.
وظهرت المنظمة في مؤتمر القمة العربي بالإسكندرية سبتمبر 1964م، وتم التبرع لها بمبلغ 5.5 ملايين دينار، منها اثنين من رئيس العراق المرحوم عبدالسلام عارف وأمير الكويت كذلك باثنين مليون دينار والملك فيصل مليون دينار وليبيا نصف مليون دينار، وجمع هذا المبلغ في دقائق ومنذ ذلك في الوقت أصبح الشقيري لصيقا بمؤتمرات القمة العربية وفي مذكراته كان دائما يبدي إعجابه بالعراقيين وعروبتهم وصدقهم في قضية فلسطين وعلى الأخص الرئيس عبدالسلام عارف ولعل هذا هو سبب نكبة العراق وحقد اليهود عليه وتسليطهم الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا لتدميره.
ويحكي الشقيري في مذكراته أنه طوال سنتين ظل يدق على وفي أبواب الاتحاد السوفيتي ولم يفتحوا له ولم يرغبوا في تعاون مع المنظمة أو التعرف الرسمي عليها، بينما فتح له الصينيون في ظرف أيام وسافر مع وفد كبير الأثني 15 مارس 1965م وهذا يكشف طبيعة الاتحاد السوفيتي وتغلغل النفوذ اليهودي فيه، وهاهي روسيا تتجاهل مطالب الشعب السوري وتقف مع إسرائيل وتنسق معها في أمر سوريا هذه الأيام، وتتجاهل توصيات الجامعة العربية وكأنّ التاريخ يعيد نفسه وقبل أيام وفي كوبا التقى البطريرك الروسي مع البابا لمناقشة قضايا العالم وبالطبع منها المأساة السورية واليوم تطرح روسيا نفسها حامية للمسيحيين في الشرق وكأنما البقية المهمشة التي تتعرض للسحل لا يهمها من أمرها شيئا واعني تأكلها الطائرات الروسية والأمريكية والإسرائيلية .
ويخرج الشقيري عن طوره، فيشتم كل الرؤساء العرب، ويورد شتائم نابية يوردها في المجلد الثاني ص51 – حيث يقول شتم الرئيس السوري أمين الحافظ في مؤتمر الدار البيضاء 13-17 سبتمبر 1965م ، قائلا إن 60% من ميزانية سوريا تذهب للجيش ثم أردف قائلا: إن المال لا ينفع أصحابه، والمرء إذا ما مات لا يأخذ معه إلا قطنة يحشرها في …..!!