الطاهر ساتي

جلي الفكرة !


:: ومن مظاهر ( هشاشة السلطات)، الحكاية التالية .. بتاريخ إبريل 2004، وصل رجل الأعمال السعودي أحمد الحصيني إلى الخرطوم بحثاً عن فرص الإستثمار في مجال العقارات..ولكن كبار القوم بالخرطوم اقترحوا له الإستثمار في جزيرة مقرسم بالبحر الأحمر..وهي من الجزر التي لم يدخلها إنس ولاجان منذ أن خلقها الله .. لطبيعتها القاسية ولخلوها من الخدمات، كانت – ولا تزال – مهجورة إلا من بعض الزواحف والطيور.. وبعد الإقتراح، قصد الحصيني أرض المشروع، و راقته الجزيرة التي تبعد عن الساحل ( 18 كلم ) ..!!
:: وطوَر الفكرة من بناء بضعة عقارات إلى إنشاء (مدينة كاملة)، وأسماها (قلب العالم)، بحيث تكون فيها مناطق صناعية وأخرى تجارية ومطار دولي وميناء وفنادق وغيرها ، وبميزانية قدر ب ( 11 مليار دولار)، تساهم فيها أكثر من ( 80 شركة عالمية)..وافقت وزارة الإستثمار على المشروع، وخصصت الجزيرة لهذا المشروع..ثم إعتمد مجلس وزراء حكومة السودان ما وافقت عليه وزارة الإستثمار، وأصدر قراراً بتوقيع رئيس الجمهورية – بتاريخ إكتوبر 2012 – يقضي بتحويل جزيرة مقرسم إلى (منطقة حرة)، ثم تخصيصها للحصيني لينشئ عليها مشروع قلب العالم..!!
:: وغادر الحصيني إلى بلاده فرحاً ومتأبطاً كل تلك القرارات الحكومية، وكذلك فواتير الرسوم المدفوعة (دولاراً وجنيهاً)، وكلها مختومة بأختام الحكومة..ثم عاد بالخرائط والكوادر والمعدات والميزانية لينفذ المشروع حسب العقود وجداولها الزمنية الموثقة ..ولكن عند الشروع في التنفيذ، أصدر معتمد جبيت المعادن قراراً بإخلاء الجزيرة من هذا المستثمر وكوادره لحين الجلوس مع الأهالي حول الحقوق، وتوقف العمل بالمشروع عاماً..علماً بأن الجزيرة بلا سكان منذ أن خلقها الخالق ..!!
:: وبالمناسبة، لم يتم تخصيص أرض الجزيرة للحصيني عبر نشرة أخبار سونا، بل تم تخصيصها بعلم – و أمر – كل السلطات المركزية بما فيها رئاسة الجمهورية التي شهدت حفل وضع (حجر الأساس)، وكان المعتمد من الحاضرين في الحفل ..ومع ذلك، أوقف العمل بتبرير حقوق الأهالي ..ثم تجاوزوا متاريس ما أسموها بحقوق الأهالي بشهادة المعتمد ( ذاااتو)..وتواصل العمل، ولكن تبين للناس أن قرار إيقاف العمل لحين الجلوس مع الأهالي لم يكن إلا قرار حق مراد به (أشياء أخرى)..!!
:: إذ لم يمر شهراً على بداية العمل، (فجأة) حكمت محكمة الطعون الإدارية بالبحر الأحمر بايقاف العمل مرة أخرى، ثم تحويل حق الإستثمار في الجزيرة لصالح مواطن اسمه دياب ابراهيم ثم بإخراج الحصيني منها (فوراً)..علماً بأن دياب هذا لم يكن في مسرح الحدث طوال العقود التي كانت خلالها الجزيرة (مهجورة).. ظهر فجأة، بعد الشروع في التنفيذ ..وبعد أشهر من التقاضي وتعطيل المشروع، أعادت المحكمة حق الإستثمار في الجزيرة إلى الحصيني.. فشرع في التنفيذ ..!!
:: ولكن، إليكم آخر أخبار المشروع بالنص : (طالبت إدارة مشروع قلب العالم، المزمع إقامته بجزيرة مقرسم على ساحل البحر الأحمر، وزارة الاستثمار بحل المشكلات القانونية العالقة بخصوص الأرض، حتى تتمكن الشركات المنفذة من مباشرة عملها..وقال المستشار القانوني لإدارة عبدالله عبدالحفيظ، إن جزءاً كبيراً من المشكلات المتعلقة بملكية الأرض تم حلها مع السكان المحليين، لكن لا تزال هناك خلافات تعيق بدء العمل)، هكذا حال المشروع كما جاء بصحيفة (الجريدة)..لقد أعادوا الحصيني إلى المربع الأول المسمى بملكية الأرض ..وهنا نقترح للحصيني بالرحيل ( حياً)، أي قبل أن يتحول قلب العالم إلى ( وجع قلب) ثم الرحيل بالتابوت ..!!