مزمل ابو القاسم

حسبة ومراجع عام


* كتبنا من قبل عن قضايا (الحق العام)، وذكرنا أن السلطة القضائية ظلت تلعب دور الحارس الأمين لحقوق المواطنين، وأنها توفر العدالة لكل من يلجأ إليها متظلماً في قضايا الحق الخاص، بتقسيمها للمتخاصمين إلى (متهمٍ وشاكٍ) في القضايا الجنائية، و(مُدَّعٍ ومُدَّعى عليه) في القضايا المدنية.
* ذكرنا أن الحق الخاص محروس بأهله، الذين يحرسون حقوقهم ويطاردونها في مختلف درجات التقاضي، وأكدنا أن المشكلة تكمن في قضايا الحق العام، التي لا تجد من يحرسها ويعاقب المتورطين فيها.
* يحدث ذلك مع أن الدولة حرصت على منح المراجع العام صلاحيات واسعة في تدقيق وتفتيش حسابات كل المؤسسات العامة، ومناقشتها في البرلمان، وإعلانها على الملأ في وسائل الإعلام بشفافية عالية، لا تحدث عادةً في دول العالم الثالث.
* حتى ديوان المظالم العامة والحسبة ظل حريصاً على أداء دوره في المراجعة وكشف التعديات التي تتم على المال العام بكفاءة تدير الرؤوس.
* مراجعو ديوان المظالم، وأقرانهم في المراجع القومي ظلوا مثالاً للنزاهة والتجرد والحرص على كشف أي تعدٍ يحدث للمال العام، لكن المشكلة التي جعلت بعض تقاريرهم تضيع هباءً، تمثلت في عدم وضوح الرؤية حول الجهة التي تلاحق المتهمين في قضايا الحق العام، وتحولهم إلى المحاكم، كي تقول فيها كلمتها العادلة، وترد الحقوق إلى أهلها.
* قبل إقرار قانون الإجراءات الجنائية للعام 1991، كان القضاة يشرفون على التحري بأنفسهم، لذلك كان أي بلاغ يُرفع في قضية حق عام (مثل الاختلاس واستغلال النفوذ وغيرهما) يأخذ طريقه إلى المحاكم بلا إبطاء.
* كان أي تقرير للمراجع العام يتضمن اتهاماً لموظف عام يحال إلى المحكمة مباشرةً، ولم تكن الوحدات التي يتبع لها المتهمون تجرؤ على التدخل لحمايتهم، لأن ذلك كان يعرضها هي نفسها للمساءلة.
* عندما أجيز القانون الجنائي لعام 1991 تم تحويل تلك السلطة إلى النيابة، لتشرف على التحري، وفتح ذلك الأمر باباً لحفظ العديد من ملفات الفساد، قبل أن تبلغ ردهات المحاكم.
* التقرير الذي قدمه ديوان المظالم والحسبة العامة للبرلمان أمس، حوى اتهامات تتعلق بمخالفات خطيرة، وتجاوزات مرعبة، تستحق من المجلس الوطني أن يخصص لها جلسة منفردة لمناقشتها، مع توجيه وزارة العدل لاتخاذ ما يلزم بشأنها.
* المداولات الخاصة بالتقرير المذكور يجب أن تتم في الهواء الطلق، وأمام الكافة، وليس في جلسة مغلقة بأي حالٍ من الأحوال.
* تقرير خطير، يمثل تحدياً جديداً لبرلمانٍ يصفه البعض بالضعف، ويدمغونه بعدم القدرة على صيانة حقوق المواطنين، والخنوع في مواجهة السلطة التنفيذية، مثلما حدث في قضية الغاز، التي تابعنا كيف لوح البرلمان فيها بمحاسبة وزارة النفط، وإلغاء الزيادات التي أجرتها الحكومة على سعر أسطوانة غاز الطبخ، قبل أن يبتلع لسانه، وتتلاشى توقيعات نوابه.
* تقرير لجنة المظالم على طاولة نواب الشعب.. سننتظر ونرى ماذا يفعلون به.