مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : مكافحة الإصلاح


قبل أكثر من ستة عشر عاماً كنا نستمتع من شرفة البرلمان بالمداخلات “النارية” التي كانت تصدر من “4” نواب بارعين، كانوا يصوبونها بدقة متناهية من فوهة “بنادقهم” إلى صدر الحكومة وفي مناطق حساسة جداً، فكانت تندفع إلى مواطن الخلل وتقصف مواقع التسويف وذلك في إطار الإصلاح المنشود، كان أبرز هؤلاء “الإصلاحيين” آنذاك الدكتور عصام البشير، وحامد تورين، وأحمد ود يوسف، ونائب آخر لم تسعفني الذاكرة لتدوين اسمه في هذا المقال.
كانت تلك المداخلات “الداوية” تنزع النعاس من بين أجفاننا فلا تأخذنا سنة أثناءها ولا نوم رغم الأجواء المغرية التي كانت تجعل بعض النواب “نواماً”، لكن ما لبثنا إلا قليلاً حتى تبددت متعة الاستماع بمداخلات أولئك الإصلاحيين حيث ذهب حامد تورين الذي كان أكثرهم زئيراً وانتقاداً لسياسات الحكومة، ذهب وزيراً لوزارة الطيران، ثم افتقدنا بعده الرجل “المرتب” والأعلى صوتاً في النقد، الدكتور عصام البشير الذي انتقل وزيراً لوزارة الأوقاف، وأما أحد النائبين الآخرين أوكلت له مهمة إدارة مجمع تعاوني ضخم، والرابع شُغِل”بضم الشين وكسر الغين” بأعمال تجارية الى جانب عمله كنائب دائرة، وذلك بعد أن حصل على تسهيلات بنكية مريحة.. المهم أننا في ذلك الوقت، كصحافيين تشدهم المفارقات ومواطنين تستهويهم لغة النقد الإصلاحي، هزنا ذلك الانتقال المفاجئ وتساءلنا بخبث : هل اشترت الحكومة صمتهم، والحق أننا فقدنا متعة المداخلات القوية، فاستسلمنا بعد مغادرة الرباعي لـ”النوم” مع بقية “النوام”..
بعد مرور تلك المدة أعاد تعيين الدكتور نضال عبد العزيز القيادي الإصلاحي بحزب المؤتمر الوطني في منصب المدير العام لتلفزيون وإذاعة الخرطوم، أعاد إلى ذاكرتي تلك الحكاية القديمة، خاصة وأن اختياره لتلك المهمة العسيرة جاء بعد تصريحات “نارية” ممعنة في نقد حزبه الحاكم”المؤتمر الوطني”حيث جاء في خبر انفردت به “الصيحة” قبل أسبوع واحد فقط من اختياره للمنصب الجديد:
(شن القيادي الشاب بالمؤتمر الوطني د. نضال عبد العزيز وتوقع حدوث ثورة داخل حزبه حال عدم الالتزام التام بتنفيذ ما ورد فى وثيقة الإصلاح التي ما تزال داخل اﻷدراج”، وأضاف نضال لـ “الصحية” أن المؤتمر الوطني في حاجة الى أشخاص ملهمين ﻷن الحزب أصبح يقود القضايا اﻷساسية بالدولة من غير إستراتيجية واضحة ومن دون تفكير جمعي مما جعله حزباً موسمياً يتعاطى القضايا فور وقوعها. وأكد القيادي نضال أن حزبه أصبح يدار من قبل مجموعة من المنتفعين والمتسلقين ومنهم من صعد من خلال التكتلات القبلية والصداقات الشخصية) . انتهى..
لا أدري لماذا طاف بذهني أن حزب المؤتمر الوطني يتعامل مع الإصلاحيين داخله بوسيلتين اثنتين لا ثالث لهما: إما الطرد والفصل، والتهميش كما حدث لمجموعة غازي صلاح الدين و”الألف أخ وسائحون” أو الإلهاء بوظائف تنفيذية مرهقة كما حدث لأصحاب البرلمان الذين سبقت الإشارة إليهم.. فهل ما طاف بالذهن حقاً أم أنها ترهات كاتب صحافي لا يرى إلا بعين السخط التي تبدي المساويا، كما نسمع منهم دائماً…اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.