جرائم وحوادث

حكاية سرقة “الحبشية” بمحطة “صابرين” إنتفاضة عبد المطلب


تسنشق رائحة البخور الطيبة وأنت تجلس لأية حبشية قذفت بها صروف الحياة في هذه البلاد العريضة تمتهن صناعة القهوة والشاي، حتى صارت “الجبنة حبشية” أغنية ومقولة رائجة تمشي على ساقين، فالحبشية- أية حبشية- تحرص على إضفاء روح من الإلفة والمحبة الخالصة لدى زبائنها، لا تأبه بأولئك الذين تنطلق نظراتهم المريضة تتقرّس جسدها من رأسها حتى أخمص قدميها.
تدرك تماماً أنها هنا بعيدة عن الأهل والوطن والأحباب لأجل العيش الحر الكريم، ولا يشغلها أبداً أولئك الذين يظنون أنها ليست بشراً زي كل البشر “عايز يعيش والعيشة خير وشر”، تسبقها ابتسامتها الصافية في تقديم مشروباتها إلى زبائنها، تتعامل مع الجميع بلطف متناهٍ، حتى يخيّل إلى أيٍ منهم أنه مخصوص ومشمول بالرعاية دون غيره، لا تحمل معها ضغوط البيت والأسرة إلى تحت شجرتها أو “دكانها” الصغير المندس وسط الباعة والجائلين و”المعلمين” بملابسهم الملتصقه على أجسادهم بزيوتها وغبارها وهمومها.
في صابرين..حكايات الصابرين
كل الوطن صابرين نعم، ولكن تأخذ منطقة “صابرين” الكائنة بمدينة أم درمان سمات إسمها إلى درجة المطابقة، الناس هناك صابرون على شيءٍ ما، يعمل ميكانيكية السيارات، والفريّشة، وماسحو الأحذية، وبائعو الرصيد والسجائر والحلويات من أصحاب “الطبالي” الصغيرة، وصبية الأورنيش الجائلون ، تحت درجة حرارة تفوق الـ(45) درجة مئوية، تشعر وأنت تتفرّس في تلك الوجوه أنها تخوض حرباً كونية لا هوادة فيها مع الحياة، إصرار برغم الشمس والمحلية على أخذ حصتهم منها.
الفراشة تدور
من بين تلك الوجوه الصابرة كانت تلك الحبشية كالفراشة تدور حول زبائنها، تقدم مشروباتها بخفة، وابتسامة غير مصنوعة، دلفنا إلى داخل دكانتها المتواضعة العظيمة، كنا أربعة من الأصدقاء، وكانت تقوم بإعادة تنظيم مقاعدها بعد فوضى عارمة خلّفها الزبائن، تعود إلى “موقد النار” لتجهيز طلبات زبائنها داخل وخارج المحل، عادت إلينا تحمل الماء الطيب تضعه أمامنا وكأنها تعتذر عن تأخيرها، سألت عن طلباتنا، وكانت مختلفة بالطبع، جبنة بالجنزبيل والقرفة، وأخرى بجنزبيل خفيف، وثالثه بدون كل ذلك، مع شاي “سكر خفيف” عليه هبهان فقط، لم تمض دقائق معدودة حتى عادت تحمل طيب بخورها وطلباتنا.
لكن اللص لا يفرّق
خرجت صديقتنا تلك كعادتها خارج دكانتها الصغيرة، وعادت لتجد أن يد اللص قد امتدت لـ(محفظتها)، التي تحمل فلوسها وأوراقها الثبوتية، وبعضاً من صور العائلة والأصدقاء، وصورة مدسوسة بعناية في مكان ما بداخلها لـ(حبيب بعيد)، تحولت طاقتها الإيجابية وروحها الوثابة إلى النقيض من ذلك، حاولت التخفيف عليها، ونصحتها بفتح بلاغ فوري لدى السلطات حتى تستأنف المسير.
أغلقت الحبشية دكانتها وهي تتحدث بهاتفها، تركتنا في نقاشات مطولة حول الحادثة، إبتدرها صبي أورنيش وهو يقول ” الهبشية دي ماتستاهل” ليلتفت إلينا عبد المطلب بعد تخليصه لعملية تحويل رصيد، وهو منتفض ” لا يعيب الإنسان سوى السرقة، وكون هذه الشابة أجنبية، سودانية، مسلمة، نصرانية، ذمية، لا دينية لا يجوّز سرقتها، وقد شدد الإسلام في عقوبة السارق والسارقة في مقارنته بالزاني أو الزانية، أو غيرها من المخالفات التي يرتكبها المسلم كما وردنا في القرآن الكريم.
بعيداً عن الوطن
ونّوه عبد المطلب إلى كفاح هذه الشابة، وقال ” ضعوا أنفسكم في مكانتها، أنت بعيد عن الوطن والأهل، ثم تتعرض لمثل هذا الموقف؟ بالتأكيد تجد المؤازة من الأهل والأصدقاء، وتفتقدها في الخارج)، إندهشت لتحليلات وحوارات صاحب الطبلية، فعرفت لاحقاً أن عبد المطلب آدم عمر هو طالب القرآن والدراسات بكلية التربية جامعة القرءان الكريم.. فأي أرضٍ هي تلك الـ”صابرين”؟

اليوم التالي