حسين خوجلي

سياستكم يا هؤلاء مجرد أسماء سميتموها


< من الحكايات التي كنا نتوقف عندها كثيراً ونحن طلاب بالثانويات، حكاية تنبىء عن ثقافة الحكام آنذاك، أن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي المؤسس الجبار حين نكب في أحد أبنائه وعاد الخطى مكسوراً وحزيناً بعد أن شيَّع الجنازة، وحين انصرف المعزون قال الشاهد أنه استدعى حاجبه وقال: انظر في أهلي من ينشدني قصيدة أبي ذؤيب أتعزى بها.. وسماها.. أمن المنون وريبها نتوجعُ ولكن الحاجب للأسف عاد خائباً فلم يجد في أهله من يحفظها، ويبدو أن الأغنية الشبابية والنصوص الهباب كانت في كل عصر ومكان، حتى في الدولة العباسية الأولى .. بكى المنصور وقال قولته التي وثقتها كتب الأدب المشهورة كلها: «والله إن مصيبتي في أهلي ألا أجد فيهم من يعرف (أمن المنون) لأصعب من مصيبتى في ابني. والقصيدة شهيرة، فقد كان لأبي ذؤيب الهزلي خمسة أبناء ماتوا بالطاعون فلم يبق له إلا واحد فقال مرثيته الشهيرة: أمن المنونِ وريبه تتوجعُ والدهر ليس بمعتب من يجزعُ وتجلدي للشامتين أريهمُ أني لريب الدهر لا أتضعضعُ حتى كأني للحوادث مروة لصفا المشقر كل يوم تقرعُ والنفس راغبةٌ إذا رغبتها وإذا تُرد الى قليل تقنعُ عزيزي الوزير إذا كان هذا هو النص الذي أراده المنصور عند أبنائه وأهله فلم يجده.. فيا ترى ما هو النص الذي يطلبه السلطان العربي الآن فلا يجده عند نفسه ولا عند أهله.. من لطائف الأستاذ علي يوسف عمارة الوزير بكسلا آنذاك، أنه أرسل للشاعر آدم ود البشير ود سند مع سكرتيرته مائة سوسيو فقال ضاحكاً: سيتيلي امتحان أمرك غريبة حكايتو هولتيني يا لوشك جميلة مرايتو عوعاى الجداد الأركضت كاكايتو عند الناس مكجن يا سميرة سعايتو ٭ الأخ الدكتور عبد الوهاب الأفندي ٭ الاتحاديون باعوا الوحدة مع مصر حينما اختطفوا الاستقلال بقرار .. وباعوا الديمقراطية حينما جعلوا الطائفية هي الآمرة علي كل سلطات وسلطان حزب الوسط والطبقات الوسطى المستنيرة.. ومن ذلك اليوم تم تدشين نظرية المفارقة ما بين الشكل والمضمون والاسم والمسمى. ومنذ ذلك اليوم ما عاد مهماً أن تجد لافتة بعنوان «المركز العالمي للجودة على أحدث أنماط التفصيل». وعندما تسأل تجد دكاناً في حارة شعبية يحتله ترزي «ستاتي» من الدرجة العاشرة .. السياسة في العالم الثالث هي مجرد أسماء سميتموها.. < ظواهر كثيرة اعتادتها العين فآلفتها وظنّتها من قسوتها انها بعض ملامح المدينة ونقوش الحواضر ، أخطرها هي ظاهرة التشرد والطفولة المستباحة جسداً وروحاً من سكان الأنفاق المنسية وزوايا الاسواق وبرندات العمارات المتسخة والحفر والقيعان ومجاهيل الارض.. إنه عالم بائس تتقيأه المدن السودانية يومياً وتسدُّ منه السلطات والناس الانوف بمناديل التناسي والغفلة وهو ينمو يومياً ؛ مومسات وايدز وحقد مبرر ومشردون ابناء مشردات واباء مجهولون وصبيان تنمو عضلاتهم ببقايا طعام «الكوشة» وتذبل عقولهم بشم البنزين واحتساء العرق والافيون الرخيص.. وفي كل صباح جديد تتعملق الجريمة وتملأ جيوش اهل التهامش اطرافها والمؤسسات والوزارات سادرة في غيّها ظانة ـ خاب فألها ـ ان الصياصي والدرك سيحمونها من غضبة واجتياح اليائسين. { إن آلاف المتسولين بشتّى الازياء والاشكال والملامح واللغات والرطانات يتحلّقون امام كل منفذ لإخراج الاموال وشراء الغالي والمرتخص من حاجيات الناس فأمام كل بقالة مجموعة وامام كل طلمبة خدمة ثُلّة وامام كل مصرف عصابة مهيضة الجناح ومكسورة الاعين وامام المواقف والمستشفيات وبيوت الافراح وبيوت الاتراح. < وهل بقي في ذاكرتكم من مساحة خالية لحكايات جديدة عن اللصوص الذين يمزقون الجيوب والذين يختطفون حقائب النساء والذين يتسوّرون البيوت ليلاً والذين يثقبون المحلات والذين يقطعون الطريق والذين يمارسون النهب المسلّح والمصلّح. < شهدنا إغتيال الحلم الإسلامي في الخلافة ، والحلم العربي في التكامل وأخشى أن نشهد إغتيال الحلم السوداني في الاقتصاد ورفاهية الإنسان. فنصبح من أجيال الخيبات الثلاث. < بعد ثلاثين عاماً من الزواج وقفة الملاح وتربية الابناء وهجوم الزوجة الذي لا يحتاج منه لدفع غير الصمت أختلى بنفسه وقال يا ترى كيف يتزوج الرجال؟ ورآها المسكينة تغسل في ابنتها الصغرى برفق فابتسم لانه تخيل انها قد رددت تساؤله الخفي ترى كيف تتزوج النساء؟ الف مرة. < نحن في الصحف نكتب للمثقف والاكاديمي والمتعلم والمحب للاطلاع والموظف الغلبان والصنايعي المجتهد الفقير والذي معنا والذي ضدنا والذي هو أعلم منا بكثير ونحاول ان نرضي كل هؤلاء ونصانعهم وليشتروا كلماتنا المضطربة من خبز ابنائهم ومستقبلهم كم انتم عظماء يا ايها الذين لا نعرفكم وانتم بالآلاف في كل انحاء بلادي المجهدة. < في المطارات الاجنبية يتقابل العرب من كل السحنات والاصقاع وقد تركوا مراتع الصبا الى لؤم اوربا ووحشة امريكا وفي خاطر كل واحد منهم دريئة لطعنة المطارات الغائرة ولماذا تركت خير البلاد الى من هي دونها؟إنهم الحيارى. وإنها ذات الوحشة للعربي المهاجر القديم وذل السؤال وذل الاجابة: يا اخي أتتبع القطر وتدع مجرى السيول؟ فقال: اخرجني من بلادي حق مضاع وشُح ٌّمطاع واقتار الكريم وحركة اللئيم وتغيّر الصديق بين السعة والضيق والهرب الى النّزر بالغز، خير من طلب الوفر بذل العجز.