مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : نعمة “الواتساب”2/2


أوردت أمس نموذجا لمجموعات “الواتساب” المنتجة والمفيدة وذكرت “مجموعة تيار شباب السودان” والتي تنظم الآن حواراً راقياً وموضوعياً، وتنتج أفكاراً مثمرة للإسهام في حل الأزمة السياسية الراهنة، والأهم من كل ذلك تحاول المجموعة التحرر من التعصب الأعمى لأحزابها الحاكمة والمعارضة، وما يزيد المجموعة ألقا وحيوية ضمها لعضوية نوعية من الأطباء والمهندسين والمحامين والناشطين الذين كانت آخرهم انضماما للمجموعة، تراجي مصطفى الناشطة المميزة المثيرة للجدل.
أما النموذج الآخر لمجموعات “الواتساب” المثمرة والتي سبق أن كتبت جزءاً يسيراً عن ملامحها وميزاتها، هي مجموعة “صحافسيون” التي تمثل عدداً كبيراً من ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، بالبلاد، وأذكر أنه عندما كتبت عنها، استقبلت عدداً مقدرا من المكالمات الهاتفية طلباً في المزيد من المعلومات عنها، وآخرون أبدوا رغبة عارمة في الانضمام إلى هذا “القروب” المميز الذي يضم عدداً كبيراً من قادة ورموز الأحزاب السياسية المعارضة والحاكمة، ووزراء وولاة وقيادات العمل الإعلامي والصحافي البارزين.
في المرة الفائتة ركزت على “التضاد” الذي أظهر حسن المجموعة وأضفى عليها حيوية كما السيل المنحدر من أعلى قمة، كما ألقيت الضوء على صراع الأفكار وتباينها وحدتها وكيف أن “القروب” أثبت عملياً إمكانية إدارة الاختلاف والتنوع، وكان لابد أن أضرب بعض الأمثلة لتمارين الحوار الساخن بين “الأضداد” لتوضيح الصورة أكثر فأوردت “الحدة وصفاء النفوس” في النقاش الذي يشتعل بين الطيب مصطفى وإبراهيم الشيخ، ثم ينتهي بالمودة .
ولكن لو علم الناس أن هذه المجموعة “صحافسيون” التي تجمع كل الأضداد أنها درجت على لقاءات شهرية حوارية تتم بمنزل أحد الأعضاء وتقام لها الولائم والمآدب الفخيمة، وعلى مستوى عال من المسؤولية والنقاش الجاد دون تعصب لفكرة أو رأي والخروج بتوصيات وأفكار جادة تسهم في حل الأزمة السياسية، ولو علم الناس تجانس المجموعة وتنوعها وتناولها الجاد للقضايا لأدركوا أن هذا التنوع والتباين نعمة كبرى يحسد عليها أهل السودان، وهو تنوع يمكن أن يوظف إيجاباً لإثراء ودعم المشتركات بدلاً عن تغذية النعرات ونقاط الخلاف والخندقة.
أول لقاء من لقاءات مجموعة “صحافسيون” وآخرها استضافهما المهندس إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق بمنزله وقد حضر هما قادة ورموز الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، كما شارك في الأخير قادة وكوادر الحزب الحاكم أمثال الدكتور عبد الرحمن الخضر والدكتور المعز حسن بخيت، وعفاف أحمد عبد الرحمن، وعزة عوض الكريم، وقد سبقت هذا اللقاء، لقاءات أخرى استضافها كل من رئيس حزب منبر السلام العادل، المهندس الطيب مصطفى، والقيادي بحركة الإصلاح الآن مبارك الكودة، ورئيس حزب الاتحادي “الليبرالي” الدكتورة ميادة سوار الدهب، ورئيس تحرير صحيفة “التيار” عثمان ميرغني، استضاف اثنين منها أحدهما بمنزله والآخر بمقر الصحيفة.
من الضروري جداً ألا ننظر إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي على أنها مظاهر للترف والتسلية وقتل الوقت، ومن الضروري أيضاً الاستفادة القصوى من هذه النعمة الكبرى وتوظيفها للخير وحل المشكلات، فلربما تطرح فكرة وتجد الدعم والمؤازرة من بقية الأعضاء فتوقف شلالات دماء سفكت ظلماً وعدوانا وتدخل في زمرة “من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً” وربما تدعو لخير ويوفق الله فاعله ويكون لك مثله من الأجر والثواب، وربما تطرح مبادرة أو فكراً يكون فيه نهاية الأزمة السياسية في السودان، تخيل وقتها أي خير وأي فخر حزت.. وفوق كل ذلك فإن مثل هذا التواصل سيعمل بمرور الوقت على تعزيز الروابط والعلاقات وتجسير الهوات وردم فجوات الاختلاف وبؤر التطرف، وتجعل المسافة بينك والآخر قريبة جداً وهنا يكمن سر النجاح في احتواء أية أزمة مزمنة أو عابرة، هذا فضلاً عن التدريب والتمرين على إدارة التنوع والاختلاف وقبول الآخر.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع دائماً نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.