مقالات متنوعة

عبد الله الشيخ : كلِمات، لكنّها بقوّة اللّكَمات..!


يقوم برنامج ترامب، المرشح للرئاسة الأمريكية، على قلب موازين التجربة.. فهو يريد عزل أمريكا عن العالم.. يريد بناء جدر بينها والشعوب الأخرى.. يعلن ترامب، أن وجهته هي مطاردة)الأغراب( من لاجئين عرب ومسلمين ومكسيكيين وصينيين، وغيرهم.. يريد أن تكون أمريكا بيضاء، مع بعض خليط لبعض الملونين.. وحتى هذه- بعض خليط الملونين- لا يخفي المرشح الجمهوري، زهده في الحصول على أصواتهم..
لا يرى ترامب ضرورة لأن تكون أمريكا بوتقة للتعايش وصهر الإنسان في الإنسان..لا يعترف بالعولمة في مداها النهائي الذي يلغي كل الفوارق العرقية والطبقية والثقافية والدينية.. ترامب هو الوجه الآخر، للداعشيين، الذين يقدمون للآخر المختلف، وصفة الموت العاجل..
أحد أصدقائي الامريكان، من أصول سودانية، عبّر عن خشيته من احتمالية فوز ترامب، بزعامة أمريكا، قائلاً إن (ترامب زي التراب(..!
ترامب حتى هذه اللحظة، هو الأوفر حظاً كمرشح للرئاسة.. هو أعلى المرشحين نفوذاً فى وسائل الإعلام.. فإذا ما نال تلك الثقة ،أو خسر المعركة نحو البيت الأبيض، فإن ما أشعله من حرائق، لن ينطفئ بسهولة، ولن تكون القارات البعيدة عن أمريكا وشعوب العالم الأخرى، بمنجاة من ألسنة النيران التي أشعلها..
الرجل في معركته الانتخابية للفوز برئاسة أكبر بلد في العالم، يعتمد كل المحظور في ثقافة العالم المتمدين، فهو لا يتورع في استخدام ما تتحاشاه المدنية المعاصرة ، من مفاهيم سادت ثم بادت.
إنه يتخذ من الشعوبية سبيلاً لكسب ود الناخبين، ولا يتوارى، ولا يداري، بل يتوعّد بتغيير وجه أمريكا التي بُنيت بسواعد المهجرين والباحثين عن الحرية والفرص الجديدة.. بعد ظهور المرشح ترامب- سواء وصل الى البيت الأبيض أو لم يصل- فإن أمريكا قد تغيرت، وأصبحت غير تلك التي كانت أرضاً للفرص الجديدة ..أمريكا بعد ظهور ترامب عادت قريبة من الفصل العنصري، ولم تعد حضن اللائذين بسكّة الأمان، ولا هي الدنيا الجديدة، التي تتحقق فيها الأحلام.
ترامب، والذي يعني اسمه في الانجليزية “منصور، أومنتصر”،هو لسان لعصرنا هذا، لكنه- قطعاً- لم يكن من البادئ لخطاب الكراهية.. لم يكن هو من استن حشد الجماهير بالشتائم وبالابتذال.. لم يكن هو أول من أدخل في لغة السياسة، الفاظاً مثل الجرو وكلاب الخنازير، وبعض الحيوانات المستحقرة …لم يكن أول من بدأ اطلاق النكات البذيئة، ولا أول من شتم أعداءه تصريحاً وبلغة الايحاء، وبكل ما أوتي من قوة اللّكمات.. في أمريكا، حيث حياة الفردانية يستطيع هذا المليونير، أن ينفق دون خوف مما سيكون عليه الحال غدا..
يسعى ترامب الى حكم الولايات المتحدة بذهنية الوجبات السريعة، وبفوهة مسدس راعي البقر.. يعيب البعض عليه صغر يديه، بينما يقول هو عن ذلك، ملمحاً، بأن بقية أعضاء جسده كبيرة..! ترامب يعبّر عن هوجة، أو حالة جديدة تجتاح العالم، قد كانت هي البديل لما بعد الاشتراكية، وما بعد الدِّين بمعانيه السامية..
تلك الحالة تقوم التشرذم، وضآلة الحس الإنساني، ونزعة الانتقام .. العالم يفور ..يتفجّر ويغلي ..منظمات الحقوق المدنية، منظمات حقوق الإنسان، تنشغل ببيانات الإدانة، بينما تمارس الحكومات العنف ضد شعوبها تحت اسم الشرعية.. ترامب يعبِّر عن ظواهر سالبة تخربش وجه الإنسانية.. هو صورة مصغّرة، لما عليه العالم الآن.. هو حالة من الابتذال والبذخ والتشفي، الظلم والاعتداء، احتقار الآخر بالحيَّل التافهة والألفاظ العاجزة ..العالم يتغير بصورة جنونية..
كانت أمريكا دنيا جديدة تشكلت من شعب خليط، يتألف من الهنود والسود واليهود والآسيويين والأوربيين، والمنبوذين وعشاق الحرية.. اليوم تطل علي أمريكا غاشية حروب العقيدة والكراهية العنصرية، التي تلقي بظلالهاعلى أرجاء الدنيا.. هذا الرجل إذا وصل الى البيت الأبيض، فسيؤلف شريعته الحاكمة، من معين البغضاء، والعزل، وخنزرة الآخر..!