حيدر المكاشفي

الما ( هى ) والما ( عاش )


في الأنباء أن اتحاد العمال يقود جهوداً حثيثة مع رئاسة الجمهورية لإحداث اختراق كبير في الأجور، يقفز بها من حالة الضعف والهزال إلى مستوى تغطية تكلفة المعيشة، وكان أحد المسؤولين الرسميين بولاية الخرطوم قد اعترف في منتدى (معاش المواطن السوداني في ميزانية 2016م) الذي عقده مركز التنوير المعرفي بانهيار الحياة المعيشية في البلاد، قائلاً إن دخل العاملين لا يغطي سوى (خُمس) احتياجاتهم المعيشية.. هذه الأنباء تفتح مجدداً جدل المواهي والمعاشات التي من هزالها أطلق عليها الساخرون الما (هي) والما (عاش)، ومن جانبنا لا نجد ما نخوض به في هذا الجدل أفضل من إحدى القصائد الشعبية وطرفتين، ويقيني أن القصيدة والطرفتين تجسدان المفارقة الكبيرة والمعادلة المستحيلة بين دخول هزيلة مثل الطريدة العجفاء ووحش كاسر هو السوق والغلاء يتربص بها لالتهامها بأفضل وأوجز من كل الحذلقات والفذلكات، والقصيدة التي أنشدها شاعر مفلس ومدبرس تقول:
آه يا اللي اسمك ماهية
يا اللي جايبالي الأذية
وفي أول كل شهر همومي هي هي
يا دوب أقبض ألقى كتير قابضين عليا
المعدة تعبت يا عالم من الفول والطعمية
نفسي آكل لحمة مش سخينة ماجي مغلية…
أما الطرفة الأولى فتحكي عن عامل بسيط لا يتعدى راتبه الشهري الثلاثمائة جنيه، التقته في عرض شارع الله أكبر مذيعة فصيحة ولضيضة كانت تجري استطلاعاً مع عامة المواطنين حول غلاء الأسعار وكيف يجده المواطنون وإلى أي مدى يستطيعون التوفيق بين دخولهم المحدودة والأسعار المنطلقة والمنفلتة، استوقفته وسألته بعد أن شرحت له مهمتها، قالت كم يبلغ راتبك الشهري، قال ثلاثمائة جنيه، قالت هل تسكن في بيت ملك أم إيجار، قال إيجار، قالت وكم تبلغ قيمة الإيجار، قال ثلاثمائة جنيه، قالت وقد فغرت فاها من الدهشة وسألته مستنكرة، مرتبك تلتمية ومؤجر بي تلتمية؟! قال نعم، قالت طيب نخلي أي شيء العلاج والمواصلات وحق الكهربا والموية والمدارس، بتاكل شنو، قال وقد بدت على وجهه كل ملامح الجدية، باكل سيد البيت.. والطرفة الثانية عن مسؤول كبير في دولة تقع في التصنيف الذي يشمل دولتنا، التقى على هامش أحد المؤتمرات بمسؤول كبير في دولة من الدول المصنفة بالمتقدمة، ودار بينهما حوار شبيه بذاك الذي أدارته المذيعة مع العامل، سأل مسؤول الدولة النايمة – عفواً النامية، المسؤول الآخر، كم يبلغ متوسط المرتب الشهري للموظف عندكم، قال حوالي خمسة آلاف دولار، قال وكم يصرف من هذا المرتب، قال حوالى ألفين وثمانمائة دولار، قال يعني حيوفر ألفين وميتين دولار وديل بسوي بيهم شنو، قال نحنا دولة ديمقراطية ما بنسأله، بعدها انتقل المسؤول إلى خانة السائل، وقال كم يبلغ راتب الموظف عندكم، قال حوالى ميتين دولار، قال كم يبلغ مصروفه الشهري، قال ألف دولار، قال ومن وين بغطي هذا الفرق الكبير، قال مسؤول الدولة النايمة والله برضو نحنا دولة ديمقراطية ما بنسألوا يجيب الفرق من محل ما يجيبو!!..