حوارات ولقاءات

الشيخ “حسن “الترابي” في (شاهد على العصر) بقناة الجزيرة (الحلقة الرابعة – الجزء الثالث )


“جون قرنق” تمرد في عهد “جعفر نميري” قبل إعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية
في أول اعتقال لي مكثت (41) شهراً و”منصور خالد” كان وثيق الصلة بالبريطانيين
التقيت بالمرشد العام للإخوان في التنظيم الدولي “حسن الهضيبي” في العام 1972
رصد – طلال إسماعيل
# “أحمد منصور”: كم عددكم تقريباً- الإسلاميون- في ذلك الوقت؟
– “الشيخ الترابي”: مئات مئات من الإسلاميين.
# “أحمد منصور”: مئات ما بين شيوخ وشباب وزعماء وسياسيين وكل من كان يعارض؟
– “الشيخ الترابي”: وبعد ذلك لما جاء الجبهة الوطنية بغزوة من ليبيا وكادت أن تستولي على النظام.
# “أحمد منصور”: سنة كم هذا؟0
– ” الشيخ الترابي”: 72.
# “أحمد منصور”: نعم.
– “الشيخ الترابي”: جاءت بغزوة من ليبيا وما عرفوا عنها شيئاً إلا حين ظهر السلاح داخل المدن، و”نميري” أفلت من الاعتقال لأنه جاء بطائرة فاختفى ولكن الجيش أخذته العصبية من هؤلاء، لم يقل أحد من هؤلاء، ما خرجوا بإعلان من هم خرجوا كأنهم مرتزقة جاءوا غزواً، وبالرغم من أن أسلحتهم وقواهم أغلبها من الأنصار دربهم “الهندي” في ليبيا ومن الإخوان دربوا في….
# “أحمد منصور”: إخوان مسلمون؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، دربوا في معسكرات عالية.
# “أحمد منصور”: هذه النقطة أريد أن أفهمهما منك بشكل أوضح الآن حينما أعلن “نميري” في 12 أكتوبر 71 حل مجلس قيادة الثورة وينتخب كما ينتخب الرؤساء العرب.. هل نجاح “نميري” في القضاء على الشيوعيين جعله يشعر بأنه تمكن وقد آلت الأمور إليه بينما كان “الهندي” والإخوان والآخرون يعدون لهذا الانقلاب؟
– ” الشيخ الترابي”: طبعاً، ذلك الإعداد بدأ من قبل أن يحدث ما حدث بينه وبين الشيوعيين، ولكنه ظن أنه الآن بسط سلطانه والبلد كلها تحت قبضته تماماً والاتحاد الاشتراكي طبعاً الشعوب المستضعفة هذه تنافق الحكام إذا أنشأوا حزباً كل يذهب إلى الحزب، لأنه مصالح الدنيا، والخشية من مخاوف الدنيا كلها في أنك تنضم إلى حزب نفاق.
# “أحمد منصور”: وحينما أسسوا الحزب الاشتراكي ذهبوا إليه؟
– “الشيخ الترابي”: طبعاً بعضهم بقي، الشيوعيون ليس كلهم مع خارطة الحزب الشيوعي، وهذه في الحركات الفكرية انقلب العسكر على المذهبيين، بعض المذهبيين يصيبهم الضعف.
# “أحمد منصور”: بعضهم يذهب وحدث هذا مع الإخوان وتولى وزارات وغيرها في مصر.. من كان يرتب؟ أنت قلت أن “النميري” انقلب (180) درجة نحو الغرب وبالفعل أعاد العلاقات مع الولايات المتحدة وأنت قلت قطعها في العام ،67 أعادها في يوليو 72، “حسن مكي” يلمح لدور “منصور خالد” في ترتيب علاقات “نميري” بالأمريكان؟
– “الشيخ الترابي”: “منصور خالد” منذ الجامعة كان وثيق الصلة بالبريطانيين.
# “أحمد منصور”: يعني أيه وثيق الصلة؟
– “الشيخ الترابي”: والله هذه كلمة أقف عندها وأسكت عن الباقي.. هم أساتذتنا وكان يزورهم في بيوتهم ويتقرب إليهم قرباً وثيقاً ومنذئذٍ وهذه شائعات لا أستطيع أن أقيم عليها بينة، دخل في تعاملات مع هذا النظام وتعاملات مع الأمريكان ثم وظفوه في الأمم المتحدة في الجزائر، وأصبحت له علاقات وثيقة، الناس كانوا يظنون أنه في درجة من العمالة الأمريكية.
# “أحمد منصور”: لهذه الدرجة؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، هذه شاعت جداً بين الناس من المقربين إليه.
# “أحمد منصور”: مشكلة الجنوب كانت حاضرة بشكل دائم في كل المراحل.. “منصور خالد” يتحدث في كتابه عن اجتماع عقد في أديس أبابا 9 نوفمبر 71 لحل مشكلة الجنوب حضره ممثلو الكنائس العالمي وكنائس أفريقيا والحكومة السودانية.. طبعاً أنت كنت في السجن في ذلك الوقت.. لكن سؤالي هنا مجلس الكنائس العالمي والكنائس الأفريقية تهتم بالجنوب والجنوب معظمه وثني؟
– “الشيخ الترابي”: لكن المثقفين في الجنوب الذين يقودون حركة الهوية الجديدة والنزعة المستقلة كانوا من خريجي الكنائس.
# “أحمد منصور”: لهذا السبب؟
– “الشيخ الترابي”: وأنت تعلم حيناً طويلاً من الدهر إثيوبيا كان يحتلها الاتحاد السوفيتي.. لا يحتلها لكنه يتمكن منها، عندما بدأ في عهد “نميري” بعد إعلان الشريعة الذي نتحدث عنه نزع جنوبيون إلى إثيوبيا وأعلنوا الماركسية اللينينية هنالك وبدأوا يرسلون الآلاف لكوبا والغرب يتعلموا، وهكذا المد كله بدأ يتبلور تماماً.

# “أحمد منصور”: الحكومة وقعت اتفاق في 27 فبراير 72 مع الجنوب في أديس أبابا وأعلن 12 مارس 72 نهاية الحرب في الجنوب واستمر حوالي عشر سنوات.. ما الذي أدى لنجاح هذا الاتفاق؟
– “الشيخ الترابي”: كان استسلاماً من “نميري”، لاحتكار السلطة في الجنوب من القوات المسلحة رفع يده بعض الشيء وأعطاهم قدراً من الحكم الذاتي، لكن حاول أن يتمكن عليهم، قسمهم ولايات، والقادة الذين قادوا الحركة أبعدهم في وظائف اسمية، ولذلك لم يرض الجنوبيون بما آلت إليه أمورهم والتوتر كان قائماً وقبل إعلان الشريعة خرج عليه “جون قرنق” قبلها بأشهر.
# “أحمد منصور”: سآتي لهذا الوقت هل هذا الاتفاق جعل “نميري” يشعر بالاستقرار حتى جاء المعارضون وهجموا على الخرطوم ودخلوا؟
– “الشيخ الترابي”: نعم.. نعم هو ما كان يظن أنه سيأتيه غزو بهذا القدر.
# “أحمد منصور”: ما سبب فشل هذا الغزو؟
– “الشيخ الترابي”: الأحزاب اتخذت جنوداً من عامة الأنصار غالباً واستبعدت شيئاً ما الجنود الإسلاميين لأن هؤلاء مثقفون إذا تمكنوا سيكون يكون لهم موقع صحيح شاركوا في العمليات وقتلوا كما قتل الآخرون، ولكن غالب السواد الأعظم كان من جنود من فئات أنصارية كان يقال لهم.. “نميري” ،الإمام “الهادي” نفسه عارض “النميري” على أساس ديني محض وشريعي وحاول أن يهاجر عبر الحبشة ولكنه قتل.
# “أحمد منصور”: أيه عوامل معارضته أيه أسباب معارضته؟
– “الشيخ الترابي”: أولاً الإسلام لا الشيوعية، وثانياً النظام العسكري لابد أن يمضي، كان صريحاً جداً، ومنهجه جهادي لا يتسايس ولكن يجاهد، وحوصر كثيراً وقاتلوا في أبا، واتخذ الطيران المصري هجمة عليه والجيش وأخيراً اضطر أن يخرج عند إثيوبيا، وعند الحدود قتل.
# “أحمد منصور”: قتل متى؟
– ” الشيخ الترابي”: عندئذ لجأ لـ”السادات”.
# “أحمد منصور”: والاتحاد الثلاثي؟
– “الشيخ الترابي”: ولقي من يدير العمليات العسكرية هنالك وعرفه، وأصبح من بعد نائباً لرئيسه في مصر.
#”أحمد منصور”: آه يعني “حسني مبارك” لعب دوراً في ذلك الوقت؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، بوظيفته فقط، ولقي “السادات” هنالك، ولعل هي بداية العلاقة بينهما كما قرأت في كتاب “السادات”.
#” أحمد منصور”: “القذافي” في ذلك الوقت كيف كان يسمح للمعارضة السياسية أن تتدرب وأن تتحرك من عنده للقيام بانقلاب تجاه “نميري” وفي نفس الوقت ساعد “نميري” عندما انقلب الشيوعيون؟
– “الشيخ الترابي”: “القذافي” طبعاً كان له نزعته.
# “أحمد منصور”: الثورية؟
– “الشيخ الترابي”: والكتاب الجديد والاشتراكية العربية عندئذ وكانا يتنازعان في الزعامة وراء مصر كالغيرة بين الزوجتين المتضارتين.
# “أحمد منصور”: أنت كنت في سجن كسلا؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، سجون مختلفة مدني وكسلا.
# “أحمد منصور”: هل صحيح أن “النميري” قرر أن يجتمع معك وجاءك فعلاً في السجن وجلس معك للإفراج عنك؟
– “الشيخ الترابي”: كلا.. كلا.. لم يحدث ذلك أبداً.
# “أحمد منصور”: “نميري” أفرج عن الإسلاميين في العام 72 بعد أن وقع الاتفاق.. بعد الهجوم الذي حدث ضده بقيت أنت رهن الاعتقال حتى نوفمبر 72؟
– “الشيخ الترابي”: ومعي منظومة.
# “أحمد منصور”: من القياديين.. كيف تمت عملية الإفراج عنكم في نوفمبر 72؟
– “الشيخ الترابي”: “نميري” بعد هذه الضربة تبدت له أن القوة مهما بدت أنها قابضة على كل عالم السلطة يمكن أن تتعرض من الخارج أو من الداخل لحوادث، ولذلك لأن بعض الشيء المعارضة نفسها كأنها استيأست مما فعلت مرة أخرى من الذي كان يمكن أن يزودها ويحشدها بل إنهم بعد فشل العملية انسحبوا إلى ليبيا فخرجوا أو أخرجوا إلى…
# “أحمد منصور”: شتتوا؟
– “الشيخ الترابي”: إلى بريطانيا، قياداتنا تحولت كلها إلى بريطانيا، هنالك القيادة السياسة والصحفية وأول، ولأنه كان “الصادق المهدي” بعد اعتقالات متطاولة في السودان وفي مصر كان ينقل معتقلاً من السودان إلى مصر.. شيئاً غريباً.
# “أحمد منصور”: هو أصبح زعيماً بعد مقتل عمه؟
– ” الشيخ الترابي”: طبعاً أصبح هو الزعيم وتزعم الجبهة الوطنية ويوم محاولة الجبهة الوطنية الاحتلال كان هو يتزعمها ولكن عندما سمع الإذاعة قد توقفت قال لهم كلا ليست هذه لكم بل هذه لنا نحن الأنصار.
# “أحمد منصور”: وهذه من الأسباب التي أدت لتشتت الجبهة؟
– “الشيخ الترابي”: إلى تشتت الجبهة بعد ذلك تماماً لأنهم كانوا حلفاً يتقاسمون ويتعاهدون على ميثاق أن يكون الحكم انتقالياً بينهم مشتركاً، وبعد ذلك يطرح ديمقراطياً ائتلفوا فيه أو اختلفوا.
# “أحمد منصور”: بمجرد السيطرة على الإذاعة؟
– “الشيخ الترابي”: نعم وبدأ يدخل في آخر بعد أن تولى قومه على الإذاعة، هم تولوا على الإذاعة ولكنهم كانوا لا يعرفون كيف يديرون الإذاعة.
# “أحمد منصور”: هذه أيضاً من المشكلات ناس رايحين يعملوا حركة انقلابية ولا يعرفون كيف يستخدمون الإذاعة؟
– “الشيخ الترابي”: هم عوام غالبهم مخلصون، مخلصون تماماً، سيطروا، الإسلاميون كانوا قلة ذوي خبرة طبعاً يألفون المواقع ولكن تركنا نحن في السجن ألا نخرج.
# “أحمد منصور”: وأخرج الآخرين؟
– “الشيخ الترابي”: أخرج فقط عناصر حزبهم ولكنا تركنا في السجن لم يخرجونا حتى لا نسيطر على الشارع قبل أن يدخل هو، لكنه ارتد على أعقابه في منتصف الطريق وبعد ذلك لتوترات حدثت واستيأس هو، وبعد ذلك النجاحات بينه وبين “نميري” نجحت فتركهم في لندن دون أن يستشير.
# “أحمد منصور”: أنا عايز أفهم سر لندن.. أن القيادات المعارضة تلجأ والحكومة البريطانية تعطيهم الإقامات ويستخدمون وسائل الإعلام هنالك للحديث.. كيف تفسر لنا هذا الأمر؟
– “الشيخ الترابي”: طبعاً.
# “أحمد منصور”: هل هناك اتفاق بين البريطانيين؟
– “الشيخ الترابي”: بالطبع، تعلم طبعاً ماذا جرى لـ”نميري” بدأت فيه بعض النزعات في مسلكه الخاص حدثتك عن فترة شبابه، ولكنه في آخر الأمر بدأ يتدين.
# “أحمد منصور”: يعني بطل يشرب خمر؟
– ” الشيخ الترابي”: بطل يشرب خمر، بدأ يصلي ويتحدث عن القيادة الرشيدة المتدينة للضباط وأنه لابد أن يتوقف أيما ضابط عن… وهكذا قبل أن تأتي الشريعة، والشريعة جاءت بعد المصالحة.
# “أحمد منصور”: لكن قيل إنه كان سكيراً حتى عندما جاءت الشريعة؟
– “الشيخ الترابي”: لا.. لا.. كلا.
# “أحمد منصور”: كان قد توقف عن الخمر؟
– “الشيخ الترابي”: تغير.
# “أحمد منصور”: يعني سلوكه تغير؟
– “الشيخ الترابي”: تغير تماماً، وبدأ يقرأ القرآن ويجود القراءة، يعني أصبح شخصاً لأنه أصبح وحده، والشيوعيون، وبقية الشيوعيين كانوا طبعاً…
# “أحمد منصور”: حينما أطلق سراحك بعد (42) شهراً قضيتها في السجن وكان هذا الاعتقال الأول.. هل كان هنالك أي اتفاقات بينكم وبين “نميري”؟
– “الشيخ الترابي”: اعتقال أول في “نميري”.
# “أحمد منصور”: أنا لسه في “نميري” أنا لسه في 72؟
– “الشيخ الترابي”: طبعاً أول عهد كان (41) شهراً، وبعد ذلك بوسيط بيني وبينه طالب كان معنا في المدارس الثانوية بعدها أصبح رجل أعمال كبير فأخرجني، وذهبت إلى الحج وبدأت أحاضر في السعودية وذهبت إلى الكويت وبدأت أجاهر وإلي بريطانيا وإلى أمريكا، ثم عدت واعتقلت مرة أخرى.
# “أحمد منصور”: أنا هنا عايز أوقف عندما خرجتم وذهبت إلى السعودية برغم أنكم كنتم فرع الإخوان المسلمين في السودان أو جزءاً من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين إلا أنك لم تلتق بمرشد الإخوان آنذاك “حسن الهضيبي” لأنه كان في سجون “عبد الناصر” عندما أسستم أنتم الإخوان أنت التقيت به في موسم الحج؟
– “الشيخ الترابي”: نعم.
# “أحمد منصور”: ما هو انطباعك عن الرجل حين رأيته؟
– “الشيخ الترابي”: الرجل قانوني فيه كثير من الاعتدال والانضباط الإجرائي حتى الذين معه قالوا هؤلاء يريدون أن يتمردوا علينا ويتحدثوا أنهم نشأوا نشأة مستقلة.
# “أحمد منصور”: عليكم أنتم؟
– “الشيخ الترابي”: نعم يعني من معه دون أن نذكر الأسماء وكان يقول يا إخوان نحن لا نعول كثيراً على السودان، دعوهم هم أصبحوا دولة إسلامية ونحن دولة إسلامية ويمكن أن نتقارب بعد ذلك، فكان رشيداً في أحكامه.
# “أحمد منصور”: ما الذي دار بينك وبينه من نقاش وحوار؟
– “الشيخ الترابي”: كان حول هذه القضايا قضايا العلاقات بين…
# “أحمد منصور”: هل تحدثتم في أمور تنظيمية بين الإخوان في السودان والإخوان في مصر.
– “الشيخ الترابي”: لا هو كان يريد أن ينهل لأنه لا يعلم كثيراً عن الإخوان في السودان، ويريد أن يترك لنا أن نتقدم حتى إذا قامت دولة إسلامية في السودان وقاموا هم في مصر يمكن أن تتقارب الدولتان.
# “أحمد منصور”: أنت بأفقك الذي تحدثنا عنه بثقافتك بأسفارك بانتقالاتك بدراستك في السوربون وفي جامعة لندن وبذهابك للولايات المتحدة كنت تشعر بفجوة بينك وبين الإسلاميين من الأقطار الأخرى حينما تلتقي بهم؟
– “الشيخ الترابي”: نعم.
# “أحمد منصور”: ما أثر ذلك؟
– “الشيخ الترابي”: أولاً ما كانوا يؤمنون بالحريات، إذا حكموا كانوا سيحكمون حكم الخلفاء.
# “أحمد منصور”: كيف يعني؟
– “الشيخ الترابي”: حكم الخلفاء التقليدي لا يعلمون الشورى، الشورى لم تكن متمكنة، الشورى معلمة شاور وافعل ما شئت كانت هي الرأي السائد، وكنا نحن الشواذ.
# “أحمد منصور”: دكتور “توفيق الشاوي”؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، لأنه كان خارجاً، هذا شذوذ نعرفه جيداً.
# “أحمد منصور”: كتاب الشورى والاستشارة من أروع ما يكون وكان يقول بأن الشورى ملزمة؟
– “الشيخ الترابي”: هو كان خرجة، كان مرقة.
# “أحمد منصور”: هم كانوا أيضاً، ربما الإخوان نقدر نقول الإخوان مدرستان، مدرسة نظامية تؤمن بالطاعة وعدم النقاش وهذه الأمور مدرسة عسكرية، ومدرسة فكرية متسعة الأفق؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، نعم.. فغالب الحركات الإسلامية لم تكن بعد تؤمن بأن بنية الدولة الإسلامية تقوم على الشورى لهم ولغيرهم حتى كفروا وارتدوا، ولم تكن تؤمن بأن السلطة تتولى بالشورى تعاقباً ولكن ظنوا أنها بالبيعة، هكذا إذا بويع أحد له الأمر.
# “أحمد منصور”: لكن هي اهتمت بالشورى في البداية يعني أول الخلافة كانت شورى يعني “أبو بكر” كان….
– “الشيخ الترابي”: لا طبعاً، لكن أنا أتحدث الآن عن الحركة الإسلامية الحديثة، أثقال ما ورثت من العهود التالية للخلافة الراشدة، الخلافات الضالة أثرت عليها جداً كان خروج منا ومن أخوة من الفلسطينيين ليس لهم بلد كانوا في الكويت مثلاً، فلذلك أسسوا جماعة والجماعة قامت على الشورى بينهم لا يسوسهم شيخ.
# “أحمد منصور”: وأنت حينما بدأت تنظيماً في السودان بدأته قائماً على الشورى الملزمة؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، كنا شباباً في العمر ما كان فينا شيخ يقوى علينا.
# “أحمد منصور”: رغم النظام الصوفي؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، لكن ما كان فينا شيخ أكبر عمراً من إخواني.
# “أحمد منصور”: أنت جمعت الآخرين؟
– “الشيخ الترابي”: وتأثرنا شيئاً ما، ولابد أن نقول الحقيقة بالفكر الليبرالي والدستوري الغبي ذكرنا بمعاني الدين ورجعنا لمعاني الدين، ووجدناها هي الأسس التي قامت عليها الدولة، بنية الدولة الإسلامية في أول الأمر
# “أحمد منصور”: رأي الشعب؟
– “الشيخ الترابي”: رأي الشعب وإجماع الشعب ونصيحة الشعب، يسير الشعب بالإجماع.
# “أحمد منصور”: ليست الطاعة العمياء الملزمة؟
– “الشيخ الترابي”: كلا، الإجماع هو رأي الشعب حتى الخليفة يأتي بالإجماع، لذلك هو يخضع للإجماع.
# “أحمد منصور”: أنت سافرت من السودان؟
– “الشيخ الترابي”: أردنا العلاقات مع العالم العربي أن تكون بالتنسيق مع الحركة الإسلامية، هم كانوا يريدون التبعية للحركة الإخوان لا جماعة إسلامية ولا حركة في تركيا، لكننا مع كل الحركات أردنا تنسيقاً عالمياً يتسع ويتسع ويتسع، ولكن كل ما يليه يعنيه هو ونستفيد من تبادل التجارب.
# “أحمد منصور”: على اعتبار أن كل قطر له خصوصيته وبيئته الاجتماعية؟
– “الشيخ الترابي”: وابتلاءاته.
# “أحمد منصور”: أنت سافرت من السعودية إلى لندن إلى الولايات المتحدة؟؟ هل كان هذا داخلاً في خطتك؟
– “الشيخ الترابي”: كلا، فقط أريد أن أتحدث عن النظام السوداني.
# “أحمد منصور”: ضده؟
– “الشيخ الترابي”: ضده، وضد النظم كلها.
# “أحمد منصور”: ضد الاستبداد؟
– “الشيخ الترابي”: ضد الاستبداد عامة حتى في السعودية، كنت أتحدث طبعاً دون أن أخاطب الواقع، ولكن أقيس على ما حدث من رجال الدين في أوروبا الغربية وما أصاب الدين بأن طرد الدين كله، والدين كله الكنيسة، وطردت الكنيسة، فالناس أبعدوا الله في ظنهم فسيطروا على المال هم وسيطر السلطان على المال، واقتسموا الشعب بين الصدقات والضرائب والتخلف العلمي، وكنت أتحدث في الكويت وبريطانيا، كنت صريحاً جداً.
# “أحمد منصور”: دعني أقول لك شيئاً مثل هذه الأفكار التي تطرحها تكون صادمة للمجتمع يعني نفس المنهج.. مثلاً وجدت عالم الاجتماع لدكتور “علي الوردي” يتحدث بنفس الطريقة ويقول إن الدين جاء ليحرر الناس وإن الصراع الأبدي القائم في تاريخ البشرية قائم على مساحة الحرية وأن يمنح الناس حريتهم.. حتى الإسلام منح الناس من شاء فليؤمن؟
– “الشيخ الترابي”: الله سبحانه تعالى الذي خلقنا ترك لنا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، كان يمكن أن يقهرنا طبعاً أو ينزل علينا ملائكته يقهرونا، ولكن كيف يأتي أحد باسم الدين أو باسم أي ما إرادة أخرى يريد أن يطغى على الآخرين، أفكاري ليست في هذه فقط، في تجديد الفكر الديني في أن الإجماع ليس إجماع فقهاء ولكن إجماع الأمة، الفقهاء ينشرون آراءهم، إذا تبنتها الأمة أصبح هو إجماع.
# “أحمد منصور”: هل كل ما تؤمن به تجهر به أم تجد في بعض الأحيان أنك تصطدم بالمجتمع وتثير إشكالات وتصل إلى حد تفكيرك.
– “الشيخ الترابي”: غالباً أنا جريء القول، طليق اللسان.
# “أحمد منصور”: لكن أما تحسب تبعات هذا؟
– “الشيخ الترابي”: والله لحقتني، في كل ما شيء، أينما ذهبت إلى أمريكا أتحدث عن النبي، لم يكن عالماً حول الذبابة وتلقيح النخل كان الله سبحانه وتعالى اصطفاه ليبين الناس ما اختلفوا فيه، القضايا الخلافية، لا القضايا العلمية التي يمكن أن نبلغها بالعلم القطعي الذي نتفق عليه، ولذلك بدأ كثير من الناس يتحدثون.. هذا كلام غريب.
# “أحمد منصور”: أنت بدأت في فترة مبكرة تطرح هذه الأشياء؟
– “الشيخ الترابي”: بجرأة.. بجرأة.
# “أحمد منصور”: ما كنت تخشى أو تخاف أن تكون بين الكفر والإيمان شعرة يعني؟
– “الشيخ الترابي”: لا.. لا.. لعل الوراثة، الأسرة، “الترابي” الجد الأكبر كان قام على المملكة السنارية، يأخذون من الناس الضرائب، ثورة هائلة عليهم كانت حتى قتلوا بعض أصحابه، وعندما ذهب ليحج هنالك وجد حصاناً مسرجاً محضراً لمن؟ لـ”المهدي” فاستنكر ذلك على الناس، وركب ذلك الحصان حتى خاف عليه والي الأمر أن يكون هو “المهدي” فتسقط شرعية الوالي فسجنه، وورثنا السجون منذ زمن، والوالد كان قاضياً شرعياً يستقل من البريطاني الحاكم البريطاني يتولى على كل القضاة والأطباء والزراعيين القاضي الشرعي، لذلك كنا نقوم من طرف البلد إلى طرف البلد غضباً علينا، كان مغضوباً عليه جداً.
# “أحمد منصور”: يعني كثرة انتقال والدك كانت من الغضب عليه؟
– “الشيخ الترابي”: الغضب عليه أيضاً هو أدخل في نفسي الجرأة، توكل على الله.
# “أحمد منصور”: أنت خرجت من فترة الاعتقال الأولى ناقماً على “نميري” وعلى نظامه أم أثرت أثراً سلبياً عليك جعلتك تحسب حساب الخطوات؟
– “الشيخ الترابي”: أبداً.. الغريبة أن “النميري” حتى عند إطلاق سراحي دعاني مع الوسيط، ما تحدثت معه في الاعتقال تحدثنا عن الطلاب وعن العالم بعيداً.
# “أحمد منصور”: الطلاب شغلوك من البداية؟
– “الشيخ الترابي”: الطلاب شغلوني لأنه لابد أن نبني بنية جديدة، وزكاة على أسس جديدة من التدين، التدين القديم في السودان كان صوفياً متمسكناً في الخلوة والطاعة كلها تصب في الذكر.. هكذا.. هكذا (حرك رأسه يميناً ويساراً)، تذكر الله حتى يصيبك الإعياء وتدور حول الذكر حتى تنجذب فتسقط، وهكذا أردنا أن نخرج نمطاً جديداً والسياسة كانت جديدة فينا طبعاً ما يتمكن في البلد على رؤوس الطوائف، لكن المهدية نفسها البريطانيون حرصوا على أن تنسى تماماً، قضية الجهاد والسياسة وأولادها كلهم درسوهم في المدارس التبشيرية في السودان وفي مصر فيكتوريا طبعاً، وحرسوهم حراسة، وفي أوروبا الغربية، والآخرون كذلك أصلاً كانوا متصوفة والمتصوفة منذ زمن بعيد كانوا يكرهون من يقترب من السلطان، من أراد الشيطان فليقترب من السلطان.. من أراد طريق الله فليأتينا.
# “أحمد منصور”: على العكس منك العسكر دائماً ضد الطلبة.. دائماً يريدون إبعاد الطلبة عن السياسية؟
– “الشيخ الترابي”: طبعاً، لأن الطلبة أولاً مستقلون وليس عليهم تكاليف الأسرة وإذا أدخلتهم السجن مثل الداخليات يعني هي حياتهم الطبيعية وجماعة، كانت غالب الجامعات عندنا والمدارس الثانوية كثير منها داخليات، هذه تخرج كاملة وإذا خرجت تخرج كتلة، والكتلة طبعاً تفعل الأفاعيل.
# “أحمد منصور”: والطلبة لعبوا دوراً في صورة 64 في السودان؟
– “الشيخ الترابي”: في كل الثورات في الثورة على “نميري” طبعاً أرهقوه إرهاقاً شديداً.
# “أحمد منصور”: وأنت لا زلت ترى إلى الآن أن دور الطلبة هو أهم دور في السياسة؟
– ” الشيخ الترابي”: نعم، صحيح، أن الطلاب لم يعودوا يسكنون في داخليات لأنها ألغيت، والطلاب هم أمل المستقبل ولكن إذا كلهم أصبحوا أولاد يؤثرون العبث واللعب يعني بعد ذلك معناه…
# “أحمد منصور”: هل دراستك في الغرب ورؤيتك لمكانة الطلبة واتحاداتهم كاتحادات مستقلة لعبت دوراً في شعورك بأهمية الطلاب؟
– “الشيخ الترابي”: جداً جداً.. والمثقفون دائماً لابد أن يلتصقوا بالشعوب إنما ما كنت صوفياً أنا ضد انتخابات الخريجين حتى التي فزنا بها اكتسحناها بعد سقوط “نميري”.. الناس ظنوا أننا يمكن أن نكون سدنة لمايو فجاءوا بدوائر الخريجين اكتسحناها كلها، ومنذ أيام “عبود” كان رأينا المثقف ينبغي أن يدخل إلى عامة الناس لينقل إليهم علمه حتى إذا لم يفز، لأنهم كانوا مأسورين لتقاليد قبلية أو صوفية الشيخ إذا….
# “أحمد منصور”: حتى انشغال الناس بلقمة العيش.. البسطاء حينما يدخل المثقف إليهم يؤثر فيهم؟
– “الشيخ الترابي”: طبعاً من العسير عليهم أن يدركوا كليات الاقتصاد يدركوا فقط الغلاء الذي يباشرهم.
# “أحمد منصور”: لكنك ترى أن القائد السياسي لا يجب أن يقتصر على النخبة أو الصفوة، ولكن لابد من أن ينتشر بين الناس؟
– “الشيخ الترابي”: الشعب هو الذي يصنع الحضارات.. الحضارات لا تصنعها الحكومات، وزير الثقافة لم يفعل شعراً ولا مسرحاً ولا أدباً، وزير الاقتصاد لم يزرع شيئاً، الزراع، العمال هم الذين يصنعون، الزراع هم الذين يزرعون، لكن الحركات الإيديولوجية هذه أحياناً صفوية، ولذلك إذا أتت للسلطة تريد أن تحتكر كل المال للسلطة العامة، يعني اشتراكية تناسبها والشعب يأتي ليؤيد ويصفق.
# “أحمد منصور”: تركيزك على الطلبة في هذا الوقت المبكر هو الذي ساعدك أن تجني العمار بعد ذلك؟
– “الشيخ الترابي”: نعم.. نعم.
# “أحمد منصور”: ورحلتك التي جبت فيها دولاً كثيرة وذهبت إلى الولايات المتحدة هل أدت إلى نقلة في عملك الإسلامي؟
– “الشيخ الترابي”: بالطبع أنا انتقلت كل الولايات المتحدة وأنا طالباً، وهناك امتدت آفاق الإنسان، آفاقي العالمية عموماً، السودان أصلاً كتب عليه أن يكون بلداً منفتحاً، لأننا لا نشكل قومية سمانا من يسكن في شمال أفريقيا، كلنا، كل هذا الحزام إلى مالي سمانا السودان جمع أسود، حتى جمهورية مالي كانت تسمى الجمهورية السودانية عندما كنت أدرس في فرنسا، وأنا طوافي في السودان وأنا طالب مع أبي علمني بعد ذلك أخ مسلم أو جبهة ميثاق أن أطوف البلاد كلها وأتحدث إلى عامة الناس.. نريد أن نبدل نفس الطرق الصوفية نفس المجموعة أو المنظومة، ونؤسسها على الدين الحق، نطرد عنها الخرافات والروحيات الغيبية الظنونية إلى إيمان بالغيب حقاً، وإلى توكل على الله كما يتوكل الصوفيون دوماً، وإلى إنتاج لا ينتج ذكراً فقط ينتج فعلاً، عملاً، رأياً.. وهكذا، فأنا مسألة الشعبية والجماهيرية هذه مزروعة في نفسي والحركة الإسلامية في السودان كلها قامت على هذه الأسس.. طبعاً بعد سقط “نميري” لم نأت بعد بهذه المرحلة لكن أحدثنا أيضاً انفجاراً.
# “أحمد منصور”: عدت إلى السودان واعتقلت أيضاً من قبل السلطة؟
– “الشيخ الترابي”: نعم، وتلاحقت عليّ الاعتقالات، طبعاً من “نميري” مرات كثيرة.

المجهر