منصور الصويم

عظم البلاع


قصة البلاع مع العظم تعود إلى طفولته الباكرة، قبل أن ينمو ويكبر ويتحول إلى كائن أخطبوطي عملاق تتمدد أذرعه إلى كل مكان، وتتناول ماصاته الشرهة كل ما يعبر أمامه أيا كان. أما العظم الذي في القصة فهو عظم دجاجة، نعم، وغالبا فخذ دجاجة منزوع اللحم ومقرمش الأطراف. البلاع كان واحدا من بين خمسة إخوة، هو أوسطهم وأكثرهم “شطينة” وإجراما. في أحد الأيام أعدت والدة البلاع طبق دجاج خاصا، أمر تحتفل الأسرة بحدوثه من حين إلى آخر لضيق الحال وعسر الحياة. إذن، جميع أفراد الأسرة كانوا في ذلك اليوم في انتظار موعد الغذاء حتى يحظى كل واحد منهم بقطعة من طبق الدجاج الشهي؛ لكن في لحظة غفلة من الجميع تسلل البلاع إلى المطبخ وقضي على الدجاجة بلحمها وعظمها، عدا العظم الوحيد الذي اقترن باسمه إلى الأبد.
لكن، كيف تصرف البلاع لينقذ نفسه من هذا المأزق الكارثي الذي تورط فيه، فهو عمليا قضى على أمنيات إخوته وأمه وأبيه في تناول وجبة شهية هذا اليوم، تنسيهم الطعم اليومي للكسرة والويكة المكررين. فكر الولد وقدر، ثم هداه ذكاؤه الإجرامي إلى فكرة شيطانية. أمسك بالعظم المتبقي وخرج مناديا على إخوته، وحين تجمعوا من حوله أخذ يغيظهم و(يكاويهم) ملوحا بالعظم إلى أن هجم عليه الجميع في محاولة للفوز بقطعة الدجاج الشهية، هنا ترك لهم البلاع العظم وقفز وهو ينادي والدته لتكون شاهدة على هجوم أبنائها على طبق الدجاج كاملا باعتبار أن العظم المتجاذب بين الجميع خير دليل على ذلك، بينما خرج هو من منطقة الجريمة سالما شبعا معافى.
هذا الحل السحري (العظم)، حفر في ذاكرة ونفسية البلاع إلى الأبد، وأصبحت فلسفته في الحياة مبنية بالكامل عليه، فالتلويح بالعظم هو المخرج أمام كل المشاكل التي ستواجهه مستقبلا، أثناء الغش في الامتحانات المدرسية، أثناء تزوير الانتخابات الجامعية، عند البدايات المتعثرة تجاريا وحزبيا، في لحظة الصعود الاقتصادي والسياسي الكبيرين، في كل نقلة حدثت للسيد البلاع خلال حياته الطويلة – المستمرة حتى الآن – يكون السلاح الحاسم فيها هو العظم والتلويح به أمام الخصوم ثم الإيقاع بهم وضربهم ببعض ليحظى هو بالمكسب الوحيد.
ما يزال السيد البلاع يلوح بعظمه رغم أنه اكتنز الذهب والفضة وبنى القصور والعمارات السوامق وتزوج النساء مثنى وثلاث ورباع، واشترى حتى مقبرة أنيقة تليق بكائن بالوعي مثله.