بين العملاق اردوغان والشهيد مطيع الرحمن

لم استغرب البتة أن يزأر أسد الله رجب طيب أردوغان ويغضب لإعدام زعيم الجماعة الإسلامية ببنغلاديش مطيع الرحمن نظامي، ويزجر ويوبخ أوروبا التي سكتت، ولم تنبس ببنت شفة أو تحتج على إعدامه بالرغم من أنها تتشدق بمعارضتها لما تسميه بالإعدام السياسي.
لكن أي إعدام سياسي ذلك الذي تحتج له أوروبا وأمريكا وتغضبان ؟ إنه الإعدام الذي يطول اتباعهما وعشاق ثقافتهما ونمط حياتهما من بني علمان وغيرهم من المستلبين ثقافياً وحضارياً، أما دعاة الإسلام فإن الغرب يفرح وينتشي لموتهم، فلطالما شن الحرب عليهم بكل أسلحة الدمار الشامل وتآمر عليهم وأمر بتصفيتهم ووجه عملاءه من حكام المسلمين لتلك الغاية.
الرئيس التركي أردوغان لم يكتف بالاحتجاج إنما استدعى سفيره في بنغلاديش للتشاور وهي درجة متقدمة من درجات الاحتجاج والغضب في الأعراف الدبلوماسية، وكان أردوغان قد أعلن موقفاً مشابهاً ضد سلطات الانقلاب في مصر حينما صدر حكم بالإعدام ضد الرئيس الشرعي محمد مرسي ورفض مجرد أن يصافح فرعون مصر الجديد عبدالفتاح السيسي خلال لقاء عام جمعهما وغيرهما.
أردوغان بعث رئيس وزرائه إلى بورما مؤازرة لمسلمي الروهينجا الذين تعرضوا لإبادة جماعية وتطهير عرقي تحت سمع وبصر العالم وآزر الفلسطينيين وواجه الرئيس الصهيوني بيريز خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي وانسحب محتجاً من ذلك المؤتمر وفعل غير ذلك كثير غضباً لله وفي الله.
أردوغان الصوت الحر الوحيد بين زعماء العالم الإسلامي قال مخاطباً الأوربيين (لو أنكم ضد الإعدام السياسي فلماذا انتم صامتون)؟، مضيفا في خطاب متلفز (هل سمعتم صوتاً واحداً من أوروبا يعترض على إعدام مطيع الرحمن)؟، وأجاب أردوغان (لا) ثم أردف(إنها المعايير المزدوجة).
الغريب أن بني علمان الذين يحكمون بنغلاديش نفذوا حكم الإعدام في الشيخ مطيع الرحمن نظامي البالغ من العمر ( 73) عاماً عن تهمة تتعلق بقضية حدثت خلال حرب الاستقلال عام ،1971 أي قبل 45 عاما بالرغم من أن الشيخ نظامي تقلد بعد ذلك عدداً من المناصب من بينها منصب الوزير كما أن هؤلاء الطغاة قد نفذوا حكم الإعدام في خمسة من رموز المعارضة البنغلاديشية.
الآن وبعد تلك المواقف العظيمة للرئيس أردوغان هل أدرك الناس لماذا تشن أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية والإسلامية الحرب على أردوغان وتتآمر عليه لإقصائه من قيادة تركيا الجديدة التي تعمل بجد لاستعادة سيرة إمبرطورية العثمانيين التي سادت العالم وأوشكت أن تفتح كل أوروبا وتضمها إلى سيادتها لولا خيانة الفرس الصفويين في إيران؟
أردوغان بانتصاره للمسلمين في كل مكان يعيد سيرة الخليفة المعتصم الذي استجاب للمراة المسلمة حين صرخت مستنجدة به (وامعتصماه) عندما أهينت من قبل النصارى في منطقة عمورية فجيّش جيشاً عرمرماً قام بفتح عمورية.
أردوغان قفز بتركيا إلى مصاف الدول الكبرى فقد غدت خلال (11) عاماً الدولة رقم (16) في العالم من حيث قوة الاقتصاد بعد أن كانت رقم (111) قبل ذلك، وانجز ما لم ينجزه أحد ربما طوال التاريخ الحديث، وذلك ما يزعج الغرب الصليبي المتربص بالعالم الإسلامي والمذعور من رجل يفتأ يذكرهم بالسلطان محمد الفاتح قاهر الإمبراطورية الرومانية وفاتح القسطنطينية.
قصار النظر ، وبعضهم للأسف إسلاميون ، ممن تشبعوا بالقيم الغربية لطموا الخدود وشقوا الجيوب غضباً من أردوغان لأنه يعتزم تعديل الدستور ليمنح الرئيس سلطات أكبر
وغرقوا (في شبر موية) متهمين أردوغان بالدكتاتورية وبأنه يسعى لزيادة سلطاته خصماً على سلطات رئيس الوزراء، ولكن هؤلاء جميعاً بمن فيهم المشفقون يتناسون الحقيقة التاريخية التي تقول إن التاريخ عربة يقودها العظماء من الرجال و(أن الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) أو كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فكما أن الرسل والأنبياء قيادات مختارة من رب العالمين لا تتكرر إلا عبر مئات وربما آلاف السنين فإن المجددين والقيادات التاريخية لا تتكرر كثيراً، واردوغان من تلك القيادات المجددة التي ينبغي أن يفسح لها الطريق ويتنازل لها الصغار والعاديون لتنجز مهمتها المتمثلة في إعادة كتابة التاريخ، وهل من مهمة تعلو على إزاحة سبة الانقلاب الحضاري الذي قاده ذلك الذئب الأغبر العميل (أتاتورك) الذي قزم تركيا وأنهى سيادتها على العالم بإلغاء الخلافة وجعلها تابعاً ذليلاً يقتفي أثر الغرب بالإكراه في كل شيء، وهل من مجدد جدير بأن يعيد تركيا إلى روحها وهويتها الحضارية غير أردوغان الذي برز كقائد أسطوري منذ شبابه الباكر حيث نهض بالقسطنطينية التي سميت بعد الفتح باسطمبول حين تولى أمرها ما قدمه ليقود تركيا حتى اليوم .

Exit mobile version