تحقيقات وتقارير

قانون الصحافة … أين تكمن الأزمة ؟


* لأكثر من خمس مرات أخضع المشرع السوداني لقانون الصحافة والمطبوعات لعملية جراحية بالغة التعقيد، وأحدثت تعديلات على بعض نصوصه التي لازالت محل جدل واسع في الوسط الصحفي، القانون ومنذ صدوره في العام 2009 ظل محل انتقاد كبير، في وقت يدافع عنه كثيرون ويعتبرونه من أفضل القوانين في تاريخ الصحافة السودانية .

تشخيص الأزمة
لكن واقع الحال يقول إن صاحبة الجلالة تخنقها قوانين عدة وتقيد حركاتها عدد من النصوص المتفرقة من بينها قانون الصحافة والمطبوعات نفسه، وحسبما يرى مساعد رئيس الاتحاد العام للصحفيين السودانين عبد الماجد عبد الحميد فإن المشرط الذي تحمله لجنة تعديلات القانون المكونة للتو بقرار من وزير العدل لن يفلح في استئصال الورم الخبيث الذي تعاني منه السلطة الرابعة، لأن العلة فيما يبدو ليست في قانون الصحافة فحسب، وإنما تكمن في جملة قوانين، وطالب عبد الحميد بضرورة الإجابة أولاً عن السؤال الجوهري والمهم في هذه المعادلة وهو من يحاكم الصحافة؟ فالإجابة على هذا السؤال من شأنها أن تشخص الداء العضال، وتسهل عملية العلاج، لكن إن شرعت اللجنة في تشريح جسد القانون المتهم زوراً بتقييد حرية الصحافة، فيبقى أن تلك فعلة لن تحدث آثراً في واقع الصحافة السودانية المأزوم.

أفضل قانون
ربما الإجابة على هذا السؤال، قال بها رئيس شعبة الإعلام بالبرلمان محمد المعتصم حاكم دونما قصد منه، وذلك من خلال دفاعه المستميت عن قانون الصحافة والمطبوعات الساري، والذي يعتبره حاكم من أفضل القوانين في تاريخ الصحافة السودانية، لبراءة ساحة مواده من تهم المصادرة والاستدعاءات والايقاف والاعتقال، وقال حاكم لـ(آخر لحظة) إن اللجنة الحالية الموكل إليها مهمة تعديل القانون يجب عليها أن تنطلق من روح القانون القديم نفسه لأفضليته، وأن تعمل على تطوير القوانين وتحديث نصوصه، بدلاً من الغائه كلية أو إحداث تغييرات جذرية على جسده السليم، وطمأن حاكم بأن تعديلات اللجنة في نهاية الأمر لن تحدث آثراً قانونياً، مالم تخضع للنقاش حولها، وإجازتها أو إبداء الملاحظات عليها من تحت قبة البرلمان، لكن أمرإجازة التعديلات من عدمه عند حاكم مرهون بمخرجات اللجنة نفسها، فإن رأى النواب في التعديلات خيراً مما ستجلبه التعديلات إلى صاحبة الجلالة والعاملين في بلاطها، فإن الأمر يتطلب الإجازة الفورية وإلا فلا !

تعقيدات
وفيما يبدو أن الأمر بالغ التعقيد رغم يسر مهمة اللجنة التي ستتدارس أمر تعديل نصوص ستطرح أمام منضدتها، ويكمن التعقيد في ارتباط الأزمة الحالية بقوانين أخرى لاتمت للمؤسسات المعنية بمهنة الصحافة بأي صلة، ومن هنا ينتج سؤال آخر أشار إليه مساعد نقيب الصحفيين مفاده هل الأزمة تكمن في نصوص قانون الصحافة أم في الممارسة الفعلية؟ وبمعنى آخر هل تطبق المؤسسات المعنية بأمر الصحافة القوانين؟ بالطبع إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج لنوع من الجرأة، لأن التعديلات المتوقعة لا يمكن أن تصل بالمهنة إلى ما ينشده رواده، وستبقى الحلقة الجهنمية موجودة بنيرانها المشتعلة ما لم يوقف مصدر الزيت الذي يصب منه المزيد من النيران المشتعلة على جسد صاحبة الجلالة، وبالتالي ستقضي هذه النيران على الصحافة ومجمل الصحفيين، ما لم يغلق منبع مادة الاشتعال، فالصحافة حسب عبد الماجد لاتحاكم بقانونها محل التعديل، وإنما تخضع لسلطان قوانين أخرى لا علاقة لها بتنظيم المهنة، ولكنها تتداخل نصوصها وتعاقب بالمصادرة والاستدعاء، في وقت كان بالإمكان أن تترك للصحافة أن تستفيد من أخطائها.

انتاج أزمة جديدة
غاية الخطورة تكمن في مكونات لجنة تعديل القانون، والتي شملت حسبما أعلن عنها جهات ربما لها ارتباط بعيد بالمهنة باسثناء مجلس الصحافة والمطبوعات، فتلك اللجنة ربما أعادت إلى أذهان الصحفيين الخطوة التي أقدمت عليها لجنة الإعلام بالبرلمان في العام 20014، عندما كونت لجنة برئاسة عفاف تاور عملت على إعداد مسودة لقانون الصحافة والمطبوعات، بيد أن اتحاد الصحفيين وبعض الزملاء نظروا إلى المسودة بعين الريبة، وأفلحت مقاومتهم الشرسة في إجهاض الفكرة وهي في مهدها ، فالخطوة الحالية فيما يبدو انتاج للأزمة السابقة، ذلك ما يستشف من حديث مساعد نقيب الصحفيين لـ(آخر لحظة) ،

نقاش مفتوح
بيد أن لأهل القانون حديث آخر، حيث يرى معاوية خضر المحامي أن مخرجات اللجنة ربما تقود لثورة كبيرة داخل الوسط الصحفي، وستجد مقاومة شرسة حال إعادة انتاج أزمة قانون 2009.. والذي قال عنه الصحفيون إنه أعد بليل وأجيز على عجل دون إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين في إعداده، واعتبروه أسواء قانون في تاريخ الصحافة، وتمنى خضر إن كان واحداً من أعضاء اللجنة الحالية برفقة صحفيين من أهل المهنة، لاقترح على وزير العدل عمل ورش عمل وفتح الباب على مصرعيه أمام جموع الصحفيين للنقاش حول مواد القانون الحالي، ثم تبدأ عملية تشريح جسده وإجراء التعديلات عليه، على أن تستصحب توصيات ورش العمل ومخرجات النقاش المفتوح .

وتعجب خضر من الخط المرسوم والمحاور الموضوعة سلفاً للجنة لإجراء التعديل على مقتضاها، وقال لـ(آخر لحظة) ما كان ينبغي لوزير العدل أن يضع من ضمن عمل اللجنة النقاش حول مزيد من الحريات الصحفية، فحرية الصحافة هي الأصل دونما أي قيود عليها، ومن يتضرر من النشر الصحفي يذهب إلى المحكمة فقط دونما محاكمة الصحيفة بالمصادرة والإغلاق أو الصحفي بالاستدعاء، فتلك إجراءات استثنائية لا علاقة لها بالقانون .

تقرير:علي الدالي
صحيفة آخر لحظة