الصادق الرزيقي

حيرة .. وحل ..!


> من وقت ليس بالقصير، لم يدلِ وزير المالية السيد بدر الدين محمود بأية تصريحات صحافية، غير أنه يوم أمس بالقصر الجمهوري بعد اجتماع للقطاع الاقتصادي برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية، كان للوزير حديث للصحافيين تناول فيه مختلف هموم وشؤون الوضع الاقتصادي، من ارتفاع سعر الصرف الجنيه مقابل العملات الخارجية وأسبابه وعوامله، وتصاعد أسعار بعض السلع ومنها السكر، ومعضلة تهريب القمح والدقيق والجازولين والبنزين، ثم عرج على موضوع الأجور ومراجعتها وزيادتها، ولم ينسَ ملف الدين الخارجي وهو سبب من أسباب حالة التأزم التي تلازم اقتصادنا الوطني ولا يستطيع منها فكاكاً.. > بغض النظر عن ما قاله الوزير بشأن ارتفاع سعر الصرف مقابل الدولار واليورو والريال والدرهم وغيرها من العملات، والعوامل التي ذكر أنها تتسبب في زيادة الطلب على العملات الأجنبية، إلا أن المحير حقاً أن الحكومة لم تكشف بعد، وربما لا توجد لديها حتى اللحظة تدابير وإجراءات ناجعة أو سياسة نقدية فعالة تعيد للجنيه السوداني بعض كرامته المهدرة أمام العملات الخارجية، ولا نلحظ كذلك أية سياسة تشجيعية فاعلة لزيادة الإنتاج وهو سبب مباشر من أسباب شح النقد الأجنبي وزيادة الطلب عليه، وهناك أحاديث ناقدة كثيرة تصدر من هنا وهناك من خبراء واقتصاديين، وتوجد توصيفات وتشخيص يُقال لكن لا تزال الأفعال والتطبيقات غير مجدية أو مقنعة، ويبرع كثير من الاقتصاديين ومن هم على الرصيف وفي مقاعد المتفرجين على طرح أفكارهم وآراءهم بسهولة، لكن لا هم ولا غيرهم بقادرين على الإمساك بلجام الاقتصاد الجامح وتوجيهه إلى الصواب.. > مع كل ذلك، الذي لفت الانتباه في تصريحات وزير المالية، ما يتعلق بالديون الخارجية، والأسباب السياسية التي تحول دون أعفاء الديون. فقد ذكر أن الحكومة تسعى بكل قوة مع مؤسسات التمويل الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدائنين من خلال لجان مشتركة مع جوبا لإعفاء الديون مع توفر كل المتطلبات الفنية لإعفاء الدين الخارجي، إلا أن السبب السياسي يقف عقبة أمام ذلك، ونفهم نحن جميعاً أن هناك تلازم بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي ومالي، في تعاملاتنا مع الخارج لتسوية ملف الديون وإعادة إدماج السودان مرة أخرى ضمن الدول التي تستحق أن يعاد تصنيفها والتعامل معها في مجال التمويل والقروض والمنح من قبل الأسرة الدولية. > اذا كان السودان قد استوفي كل المطلوب فنياً في مسائل الديون الخارجية، ولم تلح في الأفق أية مؤشرات تدل على رغبة مؤسسات التمويل العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين والدائنين في معالجة الدين الخارجي للسودان البالغ حوالي 46 مليار دولار، وتوضع اشتراطات سياسية أمام الحكومة. فلماذا لا نواجه هذه الحقيقة ونتعامل بحزم ونبذل كل ما في الوسع لحلحلة العقبات السياسية التي تعترض طريقنا، كما أنه يتوجب علينا أن نغير من طريقتنا غير المنتجة في التعامل مع الطريقة التي ربطت مصيرنا في مسألة الدين الخارجي بجنوب السودان، تعاملنا بــ ( طيبة ونوايا حسنة) مع جوبا في كل ملفاتها اعترفنا بدولة الجنوب وأقمنا الاستفتاء حول تقرير المصير ثم وافقنا على كل الاتفاقيات بعد الأزمات التي مرت بها علاقتنا بدولة الجنوب بعد قيامها، وفتحنا للجنوبيين حدودنا الطويلة معهم، وقدمنا الدعم السياسي لسلفا كير وحكومته، ورغم ذلك لم نقبض ثمناً!! ولم يكافئنا أحد بإعفاء الدين ونحن ننقذ الدولة المولود حديثاً من الموت الذي واجهه.. > ملف الدين الخارجي بأجندته السياسية، ليس عمل وزارة المالية وحدها ومعها البنك المركزي، فهناك جهات عديدة في الدولة يقع على عاتقها العمل لتجاوز هذه العقبات السياسية. ومن نافلة القول، الإشارة إلى أن تهدئة الوضع الداخلي ومعالجة الكثير من أزماتنا المحلية التي سيعالجها الحوار الوطني ومخرجاته، وتوافق السودانيين والتراضي بينهم، سيكون هو المدخل المناسب لأي تحرك سياسي خارجي للتفاهم مع العالم وهذا بمثابة قاطرة ستجر الملف الاقتصادي بديونه وأزماته وتخرجه من الوحل..