الطيب مصطفى

شركة كنار وسوق الاتصالات


بعد صمت طويل تحدثت وزيرة الاتصالات عن انتقال ملكية شركة كنار التي احتدم الصراع حولها بين شركة زين وبنك الخرطوم، فقد قالت الوزيرة د.تهاني عبدالله إن وزارتها ستتعامل مع الأمر وفقا للقوانين المنظمة لعمل شركات الاتصالات في البلاد في حال قررت تصفية أعمالها في السودان.
دهشت أن تضج الساحة بخبر شراء شركة زين لأسهم كنار قبل أن تبت الهيئة القومية للاتصالات في الأمر بالرغم من أنها هي الجهة المختصة التي لا ينبغي أن تصدر كلمة حول القضية قبل أن تقول رأيها الحاسم باعتبار أن رخصة كنار وكل تراخيص شركات الاتصالات صادرة عنها وهي صاحبة الأمر والنهي والقرار بناء على معايير تختلف تماماً عن تلك التي تم التعامل بها بين ملاك كنار والجهتين المتنازعتين حول أيلولتها وأعني زين وبنك الخرطوم، فالأمر ليس مجرد تنافس حول السعر إنما أكبر من ذلك وأعظم.
أقول إنه إذا كانت القوانين واللوائح منحت الهيئة الحق في التدخل في حالة بيع أكثر من (10) % من الأسهم فما بالك بأكثر من (90)% من أسهم كنار ؟ وهل يقول عاقل إن الأمر كله بيع وشراء وسوق يفتح الله ويستر الله بين متنافسين في سوق المواد التموينية؟
إن الهيئة القومية للاتصالات معنية بمنع الاحتكار والاستحواز كما أنها معنية بإقامة العدل بين الشركات بما لا يؤثر على المنافسة، فمما استقرت عليه النظم في العالم أجمع ألا يسمح للكبار بإخراج الصغار من السوق وقد منع التسعير الضار predatory pricing والذي يجعل الكبار مثلا يخفضون السعر بقصد الإضرار بالمنافسين الصغار لإخراجهم من السوق، ومعلوم أن الجهة التنظيمية في أمريكا The Federal Communication Commission (FCC قد وقعت عقوبة صارمة على شركة مايكروسوفت بكل ثقلها وضخامتها بسبب ممارساتها الاحتكارية، وإذا كان ذلك شأن أمريكا صاحبة اقتصاد السوق الأكبر في العالم فما بالك بالصغار من أمثالنا؟
بهذه المناسبة أود أن أذكر أن الـ FCC أنشئت في عام 1834 .
عندما حاولنا أن نقوي من الهيئة القومية للاتصالات لتحكم أخطر وأشرس الأسواق وأكثرها تأثيراً ووجهنا بحملة شرسة من مراكز القوى داخل وزارة المالية التي كانت جزءاً من الصراع بالرغم من أن من أهم واجباتها المنصوص عليها في القوانين واللوائح تحرير السوق وخصخصة الاقتصاد، فقد كانوا يرأسون مجلس إدارة الشركة (المحمية) ويستفيدون منها بأكثر مما يستفيدون من مناصبهم الوزارية في أكبر وأبشع مثال لتضارب المصلحة conflict of interest وآسف للاستطراد .
أهم ما تفيد منه (زين) في حالة استحوازها على شركة كنار أنها ستحصل على كوابل الألياف الضوئية التي تبلغ (3000) كيلومتراً، ولا شك أن هذا يمثل كسباً كبيراً لـ(زين) التي كانت تستأجر تلك السعات من كنار بمبالغ طائلة سيما وأن ما يميز سوداتل على زين أن سوداتل تمتلك شبكة ألياف ضوئية هي الأضخم في السودان، لكن زين تبقى هي الشركة الأضخم والتي تستحوز على غالب سوق الاتصالات، فإذا أضافت إلى ملكها شركة كنار فإنها ستصبح شيئاً ضخماً قد لا تقوى الشركتان الأخريان (سوداني) و(أم تي أن) مجتمعتان على منافستها.
أقول إن مما ينبغي أن تتحقق منه الهيئة هو : هل يؤدي امتلاك (زين) إلى اختلال المنافسة بين الشركات وهل يجعل استحواز زين على كنار منها امبراطوراً على سوق الاتصالات وما هو أثر ذلك ، إن حدث ، على الوضع الاقتصادي المتردي؟
أذكر تلك الواقعة الأليمة عندما أقدمت (زين) الكويت على شراء موبيتل بعد ذلك التدخل الظالم الذي تغول على أسهمها في موبيتل، والذي كنت قد اعترضت عليه واستقلت احتجاجاً، فقد باعت سوداتل أسهمها في موبيتل فرحاً بمبلغ أسال لعابها وسد حاجتها في ذلك الوقت، ولكنها كانت وقتها لا تنظر أبعد من أرنبة أنفها وعضت أصابع الندم بعد ذلك، فقد اشترت زين الكويت الدجاجة التي كانت تبيض ذهباً وعندما باعت كل شركاتها في أفريقيا احتفظت بشركة زين السودان (موبيتل) وبشركة زين المغرب، بينما باعت سوداتل شركة موبيتل بكل ضخامتها، وخرجت تستثمر في الدول الأفريقية التي باعت زين شركاتها فيها، وقلت يومها إن سوداتل فعلت ما يفعله الجائع الغبي الذي يتخلى عن الطعام الشهي في بيته ويتسول العظام عند جيرانه.
الآن الكرة في مرمى الهيئة القومية للاتصالات، ووالله لا نبغي فيما نقول إلا المصلحة الوطنية بعيداً عن مصالح الشركات المتنافسة.