حوارات ولقاءات

الصادق ويو .. والد قتيل الجامعة الأهلية :قاتل ولدي محمد معروف ونثق في القانون .. و هذا (…..) سر المكالمة الهاتفية بيني ووالي الخرطوم


* طوال الثلاث مكالمات بيننا، يُصادف أنّ الصادق ويو، كابتن الموردة، ووالد (محمد)، آخر ضحايا عنف الطلاب بالجامعات، يُصادف أنّه يقود سيارته، وصوت تلاوةٍ قرآنية ينطلقُ من مذياع السيارة، يبدو أنّها محاولات منه للتثبيت واليقين، ظهر ذلك جلياً ونحن نجلس للحوار بمكان عمله، ونفتح سيرة مقتل ابنه بالجامعة الأهلية قبل أكثر من أسبوعين.
قطع الكابتن الصادق ويو، في حواره مع (الجريدة) بأنّ قاتل ابنه معروف بالنسبة لهم كأسرة، ولزملاء محمد بالجامعة، وينتظرون القضاء لمحاسبته، وحينها لن يعفو عنه، وكشف عن سر المحادثة الهاتفية بينه ووالي الخرطوم، وما دار بينه ومدير الشرطة، كما نفى أي علاقة لابنه بالسياسة، مشيراً إلى حبه الكبير لكرة القدم، وحُلمه بأنْ يكون نجماً في كرة القدم مثله.

هذا (…..) سر المكالمة
الهاتفية بيني ووالي الخرطوم
محمد ليس له علاقة بالسياسة.. كان يحلم بأنْ يكون نجماً في كرة القدم

* حدّثنا عن الأسرة.. مَنْ هم، وماهو ترتيب ابنك القتيل (محمد الصادق) ؟
– الأسرة مكوّنة من (7) أفراد، أنا وزوجتي، محمد -عليه الرحمة- وهو ابني البكر، ثم ابنتي معزّة، وابني مُعز، وابنتي ملاذ، وأخيراً منتصر.

* كيف وصلك خبر وفاة ابنك محمد؟
– كنت في نفس هذا المكتب الذي نجلس عليه الآن، بمقر الشركة، عندما اتصلت بي إحدى شقيقاتي. كان ذلك في الساعة الواحدة والنصف ظهراً، قالت لي جملة واحدة عبر الهاتف: (محمد انضرب طلقة في الجامعة) في البداية لم أصدقها، وقلت لها بأنّ عليها أنْ تتأكد أكثر من الخبر، على أنْ أتصل بها بعد ذلك، فالذي أعرفه أنّ السلاح، والطلق الناري، ليس مكانهما الجامعة، فهي مكان لتلقي العلم وللدراسة، وليست للسلاح، وهذا أمر معروف.. بعد ذلك بقليل، ركبت سيارتي واتجهت إلى مكانٍ قريب، فإذا بإحدى خالاتي تتصل بي وتقول: (يا الصادق، محمد انضرب طلقة ومات)، هكذا باختصار لم أعِ بنفسي، إلا والسيارة تقف في منتصف الشارع العام، وأحس بالدنيا تُظلم في وجهي، كان معي وقتها أحد الزملاء، وهو من هدّأني قليلاً.

* وما الذي حدث بعد ذلك؟
– الذي حدث، أنني اتجهتُ مباشرةً إلى مستشفى أم درمان، وبالفعل وصلت هناك، ووجدت جثمان (محمد) يرقد بالمشرحة، بعد أنْ تم تشريحه، كانت تلك واحدة من أصعب الحالات التي مرت علي في حياتي. لم أستطع تحمّل هذا المشهد، وكأنني أراه الآن (يسكت قليلاً، يشرد ببصره بعيداً، ثم يواصل):
تأكدتْ من الطبيب بأنّ سبب الوفاة هو طلق ناري، أصابه من مسافةٍ قريبة، وعرفتُ فيما بعد إنّ محمد أصيب بالطلق الناري داخل الجامعة، وليس خارجها كما ورد في بعض الأحاديث، حاول زملاء محمد الخروج به خارج الجامعة، عبر مقابر حمد النيل، إلى المنزل، وهو قريب من الجامعة لإسعافه، لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى المنزل، لأنّه سقط هناك وفارق الحياة.

* محمد سقط قتيلاً أثناء التظاهرات الطلابية بالجامعة الأهلية، وكان طابعها سياسي. ماهي علاقة ابنك محمد بالسياسة إجمالاً، وبالتنظيمات السياسية انتماءً؟
– ولدي محمد، ليس له أي علاقة بالسياسة،و ليس لي أنا أي علاقة بالسياسة أيضاً، علاقة محمد بكرة القدم، وبالدراسة فقط، كان يُعد نفسه في المستقبل لأن يكون نجماً في كرة القدم، مثل والده، كان يحلم بذلك. وكنت أساعده في تحقيق حلمه.

* كيف كنت تساعده؟
– ربيّته ليكون نجماً في كرة القدم، عبر التدريبات والتوجيهات، وحتى بمتطلبات رياضة كرة القدم، وبالفعل محمد لاعب كرة قدم جيد، وله مهارات كبيرة في مجال كرة القدم: (يسكت طويلاً ثم يواصل) محمد كان يضع كل مستقبله في كرة القدم، لكن ليست لديه أي ميولات أو اتجاهات سياسية، ولم ألحظ عليه أي اهتمامات في السياسة، فهو لا يفهم في السياسة أي شيء، محمد يدرس الترجمة، وبالمناسبة لغته الإنجليزية جيدة جداً، بل كان يتخاطب بها في البيت معي، ومع بعض إخوته.

* من حديثك هو غير منتمٍ لأي تنظيمٍ سياسي. هل له أنشطة اجتماعية أو ثقافية بالجامعة؟
– من متابعتي لولدي محمد، لم ألاحظ عليه أي انتماءات سياسية. ارتباطه فقط برابطة جبال النوبة بجامعة أم درمان الأهلية، وعلاقته بالرابطة علاقة احتماعية وثقافية في المقام الأول، محمد لديه اهتمام بثقافة جبال النوبة بشكلٍ عام، وبالرقصات الشعبية لجبال النوبة مثل: الكِرنق على وجه الخصوص، فهو يرقص الكِرنق بشكلٍ جيد، محمد ولدي الكبير، وأنا أعرفه جيداً، كل مشاويره هي من الجامعة إلى المنزل، ومنه إلى ميدان كرة القدم القريب من المنزل، أو مع أصدقائه في الدكان القريب من المنزل أيضاً. لا أكثر من ذلك.

* لكن وردت بعض الأحاديث أنّ لمحمد انتماء سياسي لجهةٍ بعينها؟
– أنا أيضاً تفاجأت بهذه الأحاديث التي قيلتْ عن محمد، وعن انتمائه السياسي. هذه أحاديث ليس لديها أدنى درجة من المصداقية، وعائلتنا كلها ليس فيها مُيولات واهتمامات سياسية، و(لا فاضيين ليها)، دع عنك محمد ولدي.

* ماهي الإجراءات القانونية التي قُمتم بها منذ الأحداث التي قُتل فيها محمد، وإلى الآن؟
– أول إجراء قانوني هو الذي قام به زملاؤه الذين كانوا معه قبل وفاته، وبعدها، وهو أنّهم فتحوا بلاغاً بقسم الشرطة، الغريب إنّ زملائه الذين قاموا بمباشرة إجراءات البلاغ، تم القبض عليهم.

* لماذا؟
– لاشتباههم بهم، لكن أطلق سراحهم فيما بعد.

* نعود للاجراءات القانونية.. مالذي حدث بعد ذلك؟
– طبعاً مع ظروف العزاء والتشييع، لم يلتفتْ أيُّ واحدٍ منا حتى الآن لمتابعة الإجراءات القانونية.

* طيب، على الصعيد الأسري، مالذي قُمتم به؟
– قمنا ببعض المشاروات، مع الإخوة والأعمام، والأسرة الكبيرة بشكلٍ عام، وتناقشنا في كيفية التحرك في الاجراءات ومتابعتها، ومن بعد ذلك سنُقرر ماذا سنفعل.

* هذا يعني أنّكم لم تُقرروا أمراً محدداً إلى الآن؟
– نعم. لم نُقرر إلى الآن أي أمر، وسنُعلمكم في حينه.

* هل سألت أصدقاءه وزملاءه عن من قتل محمد؟ ومن أطلق العيار الناري عليه؟
– زملاؤه يعلمون تماماً من هم الذين أطلقوا النار على محمد، وملمون بتفاصيل هذه الحادثة جيداً، وربما يعلمون بشكلٍ دقيق من هو القاتل.
* هل سألتهم بشكلٍ دقيق عن مَنْ هم، أو من هو قاتل محمد؟
– نعم سألتهم. وأشاروا إلى أنّ من قتله داخل الجامعة، وليس من خارجها، فلم يكن وقتها أي حضور لأي قوات رسمية في الجامعة، فقط كانوا طلاباً.

* القاتل إذن من داخل الجامعة؟
– نعم من داخل الجامعة، صحيح أننا لا نعرفه بشكلٍ دقيقٍ ومحدد حتى الآن، لكن مؤكد زملاءه يعرفونه جيداً، أنا لا أشك في ذلك، وهنا أسمح لي أنْ أسأل: محمد قُتل في الجامعة، وهي مكان للعلم، وللدراسة، فكيف دخل سلاح ناري بالجامعة؟ ومن أدخله؟ ومن له المصلحة في إطلاق النار على الطلاب الأبرياء بالجامعة؟
يا سيدي، قاتل ولدي محمد معروف، أو يجب أنْ يكون معروفاً، ليس هناك قاتل غير معروف، لدينا شرطة وحكومة وقانون نثق فيه إلى الآن. وإذا لم تستطع السلطات القبض على القاتل، فهذا مؤشر على ضعف القانون في السودان.

* رجوعاً إلى أيام التشييع والعزاء، الكثير من المعزين على اختلاف أسمائهم ومستوياتهم كانوا حضوراً.. من ضمنهم معتمد أم درمان، وقيادات الشرطة؟
– المسؤولون لم ينقطعوا طوال أيام العزاء عن المنزل، وكذلك الأصدقاء والأهل والمعارف، وإلى اليوم لم ينقطع الناس عن البيت، من ضمن هؤلاء معتمد أم درمان، ومدير الشرطة. قدّموا لي العزاء.

* أنا أسأل تحديداً عن المكالمة التي كانت بينك وبين والي ولاية الخرطوم؟
– نعم اتصل بي السيد والي ولاية الخرطوم، عبر هاتف السيد معتمد أم درمان، الذي ناولني الهاتف وكان بالطرف الآخر، والي الخرطوم، الذي قدّم لي العزاء.

* وماذا دار في المكالمة تحديداً غير العزاء؟
– لم نتحدث طويلاً، لظروف العزاء التي تعلمها. وللضيوف الكثيرين الذين كانوا معي وقتها، لكن ملخص هذه المكالمة وغيرها من المكالمات أنّهم سيُلقون القبض على قاتل محمد، وإنّ محمد ليس ابني لوحدي، وإنّما ابنهم هم أيضاً.
* ومالذي تحقق من تلك الأحاديث فيما يخص سير القضية؟ هل هناك تقدّم في الاجراءات، أو إشارة رسمية لهوية القاتل مثلاً؟
– إلى الآن لم يحدث شيء. بالرغم من أنّنا لم نبدأ في القضية بعد كما قلت لك سابقاً، لكنهم كمسئولين، وكجهات حكومية ورسمية لم يقوموا بشيء، ولم يتم الاتصال بي من أي واحدٍ منهم منذ ذلك الوقت.

* ماهي خطواتكم القادمة بعد الجلوس مع الأسرة؟ هل تمّ الاتصال بمحامين وقانونيين لمباشرة سير القضية مثلاً؟
– لم نُحدد ذلك بشكلٍ دقيق بعد. بالرغم من أنّ المحامين جاهزون الآن لتولي القضية، والشروع فيها.

* رأيكم عند العثور على القاتل. هل ستعفو، أم ستُطالبون بالقصاص؟
– أنا شخصياً، والد الطالب القتيل محمد الصادق، إنْ كان ابني قُتل في مشاجرة، أو خلافه، فالأمر مختلف، ومن الممكن أنْ أعفو. ولكن ولدي محمد (انضرب بعيار ناري)، داخل الجامعة. في هذه الحالة لا أستطيع العفو، ولو وضعوا أمامي الكون بأكمله، لن أستطيع مسامحة قاتل ولدي محمد.
القاتل يجب أنْ يُقتل، حتى يكون عبرةً وعظة، وليكون ولدي آخر طالب يُقتل في جامعته، أنا أطلب من إدارة الجامعة أنْ تقف وقفة واضحة في هذا الأمر، ومن السلطات أنْ تلقي القبض على قاتل ابني محمد.

* وأين الجامعة مما يحدث؟
– الجامعة طلاباً وإدارة قدّموا التعازي، ووقفوا معي، أشكرهم على ذلك. لكن (مافي حاجة بيدهم يعملوها)..

حوار: موسى حامد
صحيفة الجريدة