الطيب مصطفى

حينما يصرخ صلاح أبوالنجا


صلاح أبوالنجا .. الاقتصادي والخبير المصرفي المخضرم الذي تدرب على يديه عدد مقدر من قيادات المصارف الممسكين بإدارات البنوك اليوم، والذي كان مديراً عاماً لبنك التضامن قبل تقاعده، والذي لا يزال يشغل عضوية بعض مجالس إدارات البنوك، بح صوته وهو يطالب بإعادة النظر في بعض السياسات المالية والمصرفية، وها هو يصرخ مجدداً حول تحرير سعر الصرف محذراً من الاستمرار في السياسات الحالية التي أثبتت فشلها الذريع، وقبل أن أعلق على مقاله في ختام مساحتي هذه أرجو أن يطلع القائمون على أمر الاقتصاد وبقية القراء على زفرته الحرى التالية:
مرة أخرى.. تحرير سعر الصرف
أطلعت في صحف الأمس على ما تعرض له محافظ بنك السودان لأمر تحرير سعر الصرف:
1- نفى السيد المحافظ أي اتجاه لتحرير سعر الصرف بحجة أنه لا يملك احتياطي نقد أجنبي يمكنه من التحرير!! وهل يحتاج التحرير إلى احتياطي نقد أجنبي؟!.. إلا إذا كنت تود التحكم في السعر بالضخ والسحب، وهذا عكس سياسة التحرير. إن ما يجري اليوم في السوق الموازي هو تحرير للسعر وفق مقتضيات العرض والطلب، حلال للسماسرة وحرام على أجهزة القطاع المصرفي ، فماذا لو حررنا السعر لتدخل المصارف في العملية بالأسعار الواقعية التي تجري في السوق الموازي؟.
2- لم يضع المحافظ في الاعتبار أصحاب حسابات النقد الأجنبي في البنوك المحلية وما يواجهونه من عنت إذ أن أسعار البنوك المعلنة تقل عن سعر السوق الموازي بحوالي 50٪، وإذا رغبوا في سحب جزء من أموالهم بالعملة الورقية لبيعها في السوق الموازي تعرضوا للعنت، إذ أن معظم البنوك لا تملك العملة الورقية لمقابلة طلباتهم عن طريق المصارف.
3. تطبيق السعر المحرر على مشتروات السفر والعلاج والوقود والمؤتمرات سوف يعكس التكلفة الحقيقية ويدعو إلى الترشيد في هذا المجال، كما أنه سوف يوفر على البنوك حجم الاتصالات والوساطات التي تتعرض لها يومياً للحصول على النقد الأجنبي بالسعر الرسمي.
4. معاملات الحكومة بالنقد الأجنبي عندما يطبق عليها السعر المحرر سوف يرتفع عائد مبيعاتها من مواردها، أما مشترواتها فسوف تظهر التكلفة الحقيقية مما يدعو إلى ترشيد الصرف إلا في حدود الضرورة.
5. إن أية معوقات أو سلبيات لن توازي ما يجنيه النظام المصرفي من تحويلات المغتربين الكبيرة الحجم والتي تجري الآن في سوق السماسرة ، وبالطبع فإن تصرف المصارف في هذه المشتروات سوف يكون حسب أولويات الاقتصاد كما تمكن البنك المركزي من معرفة حجم هذه التحويلات.
فهلا أعاد المسؤولون النظر في أمر التحرير، أرجو ذلك.
والله ولي التوفيق
صلاح الدين علي أبو النجا
تعقيب
لقد كتب عدد من فقهاء الاقتصاد عن ضرورة إعادة النظر في كثير من السياسات الاقتصادية من بينهم صلاح أبوالنجا ود.التجاني الطيب وغيرهما حول عجز الدولة عن إيجاد موارد من النقد الأجنبي تسد الفجوة المتعاظمة يوماً بعد يوم في ميزان المدفوعات، الأمر الذي انعكس على انهيار العملة المحلية بمعدلات غير مسبوقة.
لقد عجزت السياسات الحالية عن إقناع المغتربين الذين تزايدت أعدادهم بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بتحويل أموالهم عبر البنوك جراء الفرق الهائل بين السعر الرسمي والسعر الموازي في السوق الأسود، ولن تجدي (حرب الشوارع) في الحد من تجارة النقد الأجنبي لأن التحويل عبر الوسطاء في داخل وخارج السودان أصبح ميسوراً ومعروفاً.
كذلك عجزت الدولة حتى عن إقناع المعدنين العشوائيين الذين يشكلون غالب منتجي الذهب ببيع انتاجهم لبنك السودان ذلك أن فارق السعر البالغ (50) في المائة تقريباً يحول دون ذلك، سيما وأن السودان الموبوء بالنزاعات والحروب يتعذر التحكم في حدوده التي تغري بالتهريب والبيع في الخارج بالعملات الحرة.
حتى أصحاب النقد الأجنبي في البنوك المحلية اكتشفوا أنهم أخطؤوا حين أودعوا أموالهم التي يعجزون اليوم عن استردادها لبيعها بسعر السوق الموازي ويا له من ظلم فادح وقع على هؤلاء.
حتى أصحاب شهادات شهامة الذين أقرضوا الدولة بأموال حقيقية بدلاً من العملة المطبوعة بلا غطاء، كثيراً ما تعجز الدولة عن سداد ودائعهم في مواقيتها بالرغم من تأثر قيمتها بالتضخم وانخفاض قيمة الجنيه خلال فترة الإيداع مما أفقدهم الثقة في الدولة التي خسرت عميلاً مهماً أعانها وأغاثها، وهؤلاء للأسف معظمهم من المعاشيين والأسر الفقيرة التي تجرم الدولة في حقهم وترتكب ما يمكن أن يكون وبالاً عليها.
لقد عانى الشعب كثيراً خلال الأشهر بل والسنوات الماضية من شح في السلع الأساسية ومن ضوائق كثيرة صبر عليها واحتسب ولكن إلى متى؟
إن إدارة الاقتصاد تحتاج إلى إعادة نظر، وأعجب من التلكؤ في اتخاذ قرارات جريئة تصحح هذه الأخطاء الكارثية، وليت القائمين على الأمر يستمعون إلى نصيحة الناصح الأمين صلاح أبو النجا.


‫2 تعليقات