زهير السراج

أطباء السودان !!


* لا تزال أزمة الاعتداء على الأطباء والبيئة السيئة التي يعملون فيها، وتجاهل الدولة لمناشداتهم ومطالباتهم وصرخاتهم المستمرة لتحسينها، مستمرة، بل تحتدم من يوم لآخر، مما دفع الكثيرين للتوقف عن العمل والاضراب، أو ترك العمل بالمستشفيات الحكومية، أو الهجرة خارج البلاد، ولقد أوضحت آخر الاحصائيات الرسمية أن (50 ألفاً) من الأطباء وأساتذة الجامعات وبقية المهنيين غادروا السودان في الثلاث سنوات الأخيرة، وأن حجم الاقتصاد السوداني المهاجر يبلغ 30 مليار دولار..!!
* تخيلوا هذا الرقم الضخم .. 50 ألفاً من المهنيين الذين كلف اعدادهم وتأهليهم مبالغ ضخمة جداً غادروا السودان في السنوات الثلاث الأخيرة بدون أن يطرف للمسؤولين جفن أو تهتز لهم شعرة، بل إن أحدهم يستخف بهذا الأمر الخطير ويصرّح بأننا قادرون على تأهيل غيرهم، بدون أن يقول لنا ما ذنب السودان في أن ينفق المبالغ الضخمة على تأهيلهم لتستفيد منهم دول أخرى، كما أنه نسى أن الذين سيتم تأهيلهم سيلحقون بمن سبقهم ما دام الوضع السئ باقياً على ما هو عليه ولن يجني السودان إلا التخلف والخراب، بينما ينتفع غيرنا بأبنائنا ويتركنا خلفه بآلاف السنوات!!
* في هذه الظروف الصعبة إستغنت مستشفى كوستي عن (65) طبيباً بجانب إعادة (4) نواب لمجلس التخصصات الطبية، بحجة أنهم توقفوا عن العمل ونفذوا إضراباً جزئياً، وهم لم يفعلوا ذلك من أجل تحقيق مصلحة شخصية أو المطالبة بزيادة الأجور والمرتبات، وإنما لتجاهل إدارة المستشفى لمطالبهم بتحسين بيئة العمل وتوفير الحماية للعاملين بالمستشفى من الإعتداءات المتكررة التي ظلوا يتعرضون لها من منتسبي القوات النظامية اعتماداً على حصاناتهم التى تحميهم من المساءلة القانونية، ولقد ظلت ظاهرة الإعتداء على الأطباء والعاملين في الحقل الصحي تتكرر في معظم أو ربما كل المستشفيات الحكومية بدون أن توليها الدولة أيّ نوع من الاهتمام رغم المطالبات الكثيرة للاطباء فرادى وجماعات أو من خلال لجنتهم المركزية للدولة ووزارة الصحة، للتعامل مع هذه الظاهرة بما يوقفها عند حدها، ولكن ذهبت كل المطالبات ادراج الرياح مما اضطر الأطباء الى التوقف عن العمل مرات كثيرة لحماية انفسهم وحث الدولة على تحسين بيئة العمل وتوفير الحماية لهم !!
* إختار مستشفى كوستي بكل سهولة الاستغناء عن هذا العدد الهائل من الأطباء بدلاً عن الاستماع الى شكواهم والاستجابة لطلباتهم، والاستماتة للاحتفاظ بهم تحت ظل ظروف صعبة يفقد فيها السودان كل يوم مئات الاطباء المؤهلين لا يمكن تعويضهم إلا بشق الأنفس وبإنفاق مبالغ باهظة، وعندما تفعل المستشفى ذلك فهي تستهين في المقام الاول بالمواطن الذي يستفيد من وجود هؤلاء الاطباء، أو كأنها تستحلي البيئة السيئة للعمل أو الاعتداء اليومي المتكرر على الأطباء، فكيف تريد منهم أداء عملهم فى بيئة تفتقد الى الأمان والى أبسط الإمكانيات لتقديم خدمة طبية معقولة للمرضى؟!
* إذا ظنت المستشفى أنها تستطيع تعويض كل هذا العدد من الاطباء المؤهلين بغيرهم باعتبار أن هنالك آلاف الاطباء الذين لا يجدون عملاً، فهي واهمة، فمن يقبل بالعمل في الظروف السيئة للمستشفى، حتى لو كان طالباً وليس طبيباً مؤهلا، كما أن الأطباء ليسوا جزراً معزولة عن بعضها البعض، وها هي اللجنة المركزية للأطباء تهدد بتوقف الأطباء عن العمل في كل مستشفيات السودان تضامنا مع أطباء كوستي، فماذا ستفعل مستشفى كوستي مع آلاف المرضى الذين يترددون عليها كل يوم .. هل ستصدرهم الى الخارج أم تستورد لهم أطباء، وهل يسر الدولة أن يضرب كل الأطباء عن العمل ويموت آلاف المرضى؟!