جعفر عباس

يرهبوننا ثم يرموننا بدائهم


ليس من حقنا القول إن التطرف الديني اختراع إسرائيلي صرف، بل إن الحديث عن العمليات الإرهابية لعصابات الهاغاناه وشتيرن الصهيونية في أواخر أربعينيات القرن الماضي سيجلب عليك المتاعب وربما يودعك السجن، وليس من حقا أيضا القول إن الإرهاب صناعة أوروبية شارك فيها المسيحيون واليهود، وأن المسيحيين الذين قتلوا في أوروبا على أيدي مسيحيين أكبر من عدد ضحايا أوروبا في الحرب العالمية الثانية، وإذا اعتبر التاريخ الإسلامي الحجاج بن يوسف الثقفي رجلا باطشا ودمويا فإنه يبدو تلميذا خائبا لدهاقنة القتل والتعذيب في أوروبا: هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا وسالزار في البرتغال وستالين في روسيا وفرانكو في إسبانيا، ومع هذا علينا أن نعدل مناهجنا الدراسية بحيث لا يرد فيها ذكر أن الولايات المتحدة هي أول دولة استخدمت أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين وأنها الدولة الوحيدة في التاريخ التي استخدمت السلاح النووي لإبادة البشر، بل ليس من حق الوكالة الدولية للطاقة النووية أن تطالب بتفتيش منشآت إسرائيل النووية بينما أعطت إسرائيل نفسها حق ضرب برنامج إيران النووي حتى قبل أن تتمكن إيران من تشغيل مفاعلاتها، ونحن جميعا في الشرق الأوسط متهمون بالهوس الديني ومشتبه في أمرنا كلما غادرنا حظائرنا الوطنية ميممين شطر عاصمة غربية، وبالتأكيد فإننا نعاني من التطرف الديني ولكن المتطرفين عندنا أقلية مطارَدة (بفتح الراء)، بينما هم في الولايات المتحدة أقلية مطاردة (بكسر الراء)، بيدها السلطة وتتولى مطاردة المتطرفين من الملل الأخرى كي تنتصر لعقيدتها، وحتى لا تفكر سفارة أمريكية في إدراج اسمي في قائمة مستحقي الإقامة في غوانتنامو، فإنني أبادر بالقول إن ما سبق منقول عن الكاتب الأمريكي ستيفن مانسفيلد، من مؤلفه الجديد «ذا فيث أوف جورج دبليو بوش» ويعني إيمان أو عقيدة جورج بوش، ويورد فيها أدلة «بالكوم» حول اقتناع كبار معاوني الرئيس الأمريكي السابق بأنهم أصحاب رسالة سماوية وأنهم «مسنودون» بالإنجيل والتوراة، ويعود بنا مانسفيلد إلى الوراء سنوات قليلة عندما وقف بوش أمام أحد القساوسة وقال له: «إن الله يريد لي أن أكون رئيسا للبلاد.. لقد تلقيت النداء… لدي إحساس لا ستطيع تفسيره بأن بلادنا ستشهد أمرا خطيرا، وأنها، أي البلاد ستكون بحاجة إليّ»، ولعل بعضكم يتذكر الجنرال وليام بويكن مسؤول المخابرات في وزارة الدفاع الأمريكية سابقا الذي يعتقد أن إله المسيحيين أقوى من إله الصوماليين (المسلمين)، لأنّ الرب عند المسيحيين حقيقي بينما إله المسلمين مجرد «صنم».
ودافع وزير الدفاع الأمريكي في عهد جورج دبليو بوش، دونالد رمسفيلد صاحب الوجه العبوس الذي يعتبر فاروق الفيشاوي مقارنة به نموذجا لخفة الدم والمرح، دافع عن حق بويكن في «التعبير». وبعدها بأيام قال مواطنو كل دول الاتحاد الأوروبي في استطلاع شمل مئات الآلاف: إن إسرائيل أكثر الدول تعريضا للأمن العالمي للخطر، ولم يقولوا شيئا في حق التوراة أو نبي الله موسى، ففتح الأمريكان والإسرائيليون عليهم صنابير السباب، وقال نائب برلماني ألماني إن إسرائيل بؤرة للشر فطرده حزبه شر طردة، وفي اليونان قال الموسيقار العبقري ميكيس ثيودراكيس مؤلف موسيقى فيلم زوربا اليوناني الذي قام ببطولته الممثل العملاق الراحل أنتوني كوين والممثلة اليونانية آيرين باباس،… قال إن اليهود جلبوا الشرور على أنفسهم وعلى غيرهم، فكان أول من فتح النار عليه هو السفير الأمريكي في أثينا، متناسيا أنه «ليس» سفير إسرائيل.
وفي أوزبكستان دكتاتور حرامي وباطش هو إسلام كريموف يقتل معارضيه في الطرقات ويسجن الأطفال ويسحل النساء، ولكنه ليس من المغضوب عليهم أمريكيا لأنه منح أمريكا قواعد تستخدمها لقمع «التطرف» في آسيا، وانتقد السفير البريطاني في أوزبكستان سجل البلاد الرديء في مجال حقوق الإنسان فغضبت أمريكا وطلبت من وكيلها في لندن (رئيس الوزراء) أن يعاقب السفير فتم استدعاؤه إلى لندن وبهدلوه حتى أصيب بانهيار عصبي، وربنا ستر إذ لم تصل الضغوط عليه إلى حد حمله على الانتحار كما حدث مع ديفيد كيلي الذي فضح أكذوبة أسلحة العراق للدمار الشامل، فتعرض إلى مضايقات وملاحقات وتهديدات فقال: بيدي لا بيد عمر وقتل نفسه.