الطيب مصطفى

الجمهوريون بين الوهم والحقيقة (15)


ويمضي محمود محمد طه في تخليطه وحياكة المرقع من نظريته المتعددة الألوان والمشارب فهو يأخذ من نظرية دارون ليخلط بينها وبين نظرية الإنسان الكامل، وتارة أخرى يضيف إليها شيئاً من العقيدة البهائية، وأخرى يضيف إليها من نظرية ماركس، وهكذا ظناً منه أن ذلك التخليط سيعطي تخريفاته مشروعية لدى معتنقي تلك العقائد والنظريات البائرة.
أفتأ أذكر ابنته أسماء أنها ستدخل التاريخ بل وتدخل الجنة إن شاء الله إن كررت تمرد ابي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل على والده، سيما وقد رأت بعينيها ما أسقط معتقدها في نبوته حين اعترفت بخيبة أملها في ادعاءاته ورأت كذب ما ظل يهرف به حين سقط مجندلا كما حدث لمسيلمة الكذاب.
أترككم مع د.الباقر ليفند بعضا من أراجيف ذلك الكذاب الأشر في الأسطر التالية:
ذكرنا أن محموداً يزعم أن الإسلام رسالتان أولى قامت على فروع القرآن وثانية تقوم على أصوله.
ويزيد محمود الأمر تفصيلاً بقوله: “لقد نزلت الأصول في مكة فيما هو معروف عندنا بالآيات والسور المكية، وقد استمر نزولها خلال ثلاث عشرة سنة فلما لم يستجب لها الجاهليون.. فظهر عملياً أنها فوق طاقتهم.. فسحبت من التداول في مستوى التشريع.. ونزل التنزيل على حكم الوقت.. وجاءت آيات الفروع.. وهي ما تعرف عندنا بالآيات المدنية وبالسور المدنية”.
ويقول أيضاً: “آيات الأصول هي الآيات المكية وآيات الفروع هي الآيات المدنية.. ولقد اعتبرت آيات الأصول يومئذٍ منسوخة.. واعتبرت آيات الفروع صاحبة الوقت.. وما نسخ آيات الأصول يومئذٍ إلا إرجاء ليوم يجيء فيه وقتها وذلك حين تستعد البشرية لتطبيقها”.
وخلاصة القول إن محمود محمد طه يزعم أن آيات الأصول هي أول ما نزل من القرآن في مكة المكرمة، غير أن الناس قصروا عن شأوها وظهر عملياً عجزهم عن تطبيقها لأنها كانت في مستوى يفوق طاقتهم.. فنسخت من ثم آيات الأصول – القرآن المكي – (الرسالة الثانية) – والنسخ في “الفكرة الجمهورية” يعني الإرجاء – وطبقت آيات الشروع – القرآن المدني – (الرسالة الأولى) في ذلك الوقت.. أما آيات الأصول، وهي ما تقوم عليه الرسالة الثانية، تظل منسوخة إلى أن يجيء وقتها وتجيء أمتها فتبعث من جديد لتكون هي صاحبة الوقت، وتنسخ من ثم آيات الفروع التي كانت صاحبة الوقت في القرن السابع الميلادي.
مقولات الباطنية
لعله قد وضح لنا من خلال بحثنا في “الفكر الجمهوري” أن مقولات محمود محمد طه تكاد تكون صورة طبق الأصل لعقيدة التجسد البهائية. مثلاً البهائية تقول عن ذات الله – تعالى – “هو غيب في ذاته وكنز مخزون في صفاته، ومجرد بحت في حقيقته وهويته، لا يوصف بوصف ولا يسمى باسم” ويقول محمود: “الله في صرافة ذاته فوق الأسماء وفوق العبارة، وليس لمعرفته سبيل”.
ومحمود – مثله مثل البهائية والفرق الباطنية – يستخدم الأسلوب الباطني لينفذ الى أغراضه. والباطنية – كما يقرر الغزالي وغيره من العلماء – وضعوا أساس مذهبهم على أن للقرآن الكريم ظاهراً وباطناً، وأن لكل تفسير تأويلاً، غير أنهم اتخذوا هذا المذهب وسيلة لتحريف القرآن الكريم، وقد هاجم هذه الفرقة شيوخ الإسلام وأئمته كالغزالي وابن تيمية الذي لم يتردد في الحكم على معتقداتهم بالكفر.
ومحمود محمد طه يشير بصراحة إلى انتمائه الى الباطنية حين يقول: “إن للقرآن ظاهراً وباطناً، فظاهره عني بظواهر الأشياء وباطنه قام على الحقائق، وراء الظواهر ثم اتخذ في نهجه التعليمي الظواهر مجازاً يعبر منها العارف في البواطن:.
وتفسير محمود للقرآن الكريم يؤكد أنه يمثل – بالفعل – امتداداً للأسلوب الباطني، فمثلاً جاء في تفسيره لسورة القدر ما يلي: (إنا أنزلناه يعني القرآن مجسداً، يعني الإنسان الكامل “الله” وهو المسيح. فالمسيح هو رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.. رسول الله يعني رسول الذات إلى جميع الخلائق وكلمته يعني كلمة “الله”.. فالمسيح هو الكلمة “الله” ألقاها إلى مريم يعني الى النفس الطاهرة.. وليلة القدر هي لحظة نزول المسيح”.
ومحمود محمد طه، وإن انتهج منهج الباطنية، غير أنه لم يكن أصيلاً حتى في هذا المنهج. فقد جاءت مقولاته تلفيقاً لمقولات الباطنية. ان محموداً والجمهوريين حاولوا هدم الإسلام باسم الإسلام كما فعل أسلافهم الباطنية بعد أن فشلوا في مواجهته صراحة.