مصطفى أبو العزائم

“نائب” عدو نفسه..!


وأما النائب غير المعرف بالألف واللام، فهو المدعو “فضل المولى الهجا” وهو – للأسف الشديد – أحد الذين ينوبون عن عدد مقدر من المواطنين في إحدى الدوائر الانتخابية.. وفي وجود مثل هذا النائب مؤشر خطير وواضح إلى المستوى الذي وصل إليه حال بعض من يفترض أن يمثلوا مواطني دوائرهم الانتخابية، لا أن يمثلوا بهم مثلما يفعل النائب المدعو “فضل المولى الهجا”، الذين ثبت من خلال تصريحات أخيرة أنه يجهل تماماً مكونات الدولة الحديثة، وأهمية مؤسساتها وتكامل أجهزتها والتنسيق بين وظائفها.. وثبت أيضاً أنه – غفر الله له – لا يعرف تقسيم السلطات في الدولة الحديثة، وظن – في ما يبدو – أن كل السلطة هي السلطة التشريعية مع تغييب للسلطة القضائية والتنفيذية، وعدم اعتراف بما تعارف الناس عليه بـ(السلطة الرابعة)، وهي الصحافة التي أخذ ذلك النائب يهاجمها وبقية أجهزة الإعلام، ويصفها بـ(الهدامة) وأنها (عدو السودان الأول).
مشكلة هذا النائب وأمثاله أنه لا يصبح عدواً للصحافة والإعلام عندما يصّرح بمثل هذه التصريحات، لأن الصحافة (ستضحك) عليه وعلى تصريحاته غير الناضجة، كما أن دائرته الانتخابية ستكون من أعلى الأصوات (قرقرة) و(قهقهة) عند سماع مثل تلك التصريحات، وسيشعر كثير من الناخبين بالندم، وأنهم تسرعوا بانتخاب هذا النائب ليكون ممثلاً لهم في البرلمان، وقد مثل بهم وبوظيفة النائب البرلماني.
ليس ذلك فحسب، بل نتوقع أن يقوم حزبه الذي قدمه للترشيح بتوبيخه على هذه التصريحات الرعناء وغير المسؤولة التي لا يجب أن تأتي من ممثل لحزب له وزنه وجماهيرته وتمثيله المعتبر في البرلمان.. وسيجد السيد النائب المحترم بعد فترة أنه أصبح عدواً للجميع.. وعدواً لنفسه.
مشكلة النائب “الهجا” وأمثاله أنهم لا يرون إلا ما يريدون رؤيته، ولا يعترفون إلا بأنفسهم، حيث يعيشون في عالم الوهم الذي يقود إلى الوهن.. فلا حزب إلا حزبهم الذي ينتمون إليه، ولا نيابة إلا نيابتهم هم، ولا نجاح إلا ما يحققونه مع عدم اعتراف بالآخر.. وهم يمسكون بأقلام التصحيح الحمراء لتقييم أداء الآخرين، ولا يقبلون أن يصححهم أحد.. والصحافة قطعاً هي أداة رصد ومتابعة وتقييم وتحليل و(تصحيح) وإشارات لمواطن الخلل في كل مكان.
الصحافة التي يهاجمها هذا النائب وأمثاله هي التي سبقت الأحزاب في التأسيس وفي التأثير، وهي التي عبرت ولازالت تعبر عن مصالح الشعب لا عن مصالح فئة أو جماعة التفت حول هدف سياسي أو مصالح حزبية أو شخصية ضيقة، وهي لا تأتي بما تنشره من الفراغ أو نسج الخيال لأنها تعكس وتنقل ما يرد على ألسنة الساسة وغيرهم، وهي لا تشوه صورة المجتمع بنشرها لأخبار الجريمة، ولا بنشر الملفات التي تفوح منها رائحة فساد أو شبهة.
وأمثال هذا النائب الذين لا يعترفون بالآخر هم نموذج التطرف وعدم قبول الرأي الآخر مهما كان ذلك الرأي صائباً أو ناصحاً.. إذاً لم يأت من داخل الجماعة والحزب.
النائب “الهجا” إن كان هو الوزير السابق بولاية سنار، وإن كان هو نفسه المنسق العام للشرطة الشعبية بولاية الخرطوم – وأحسب أنه هو – سيجعل الكثيرين يراجعون حساباتهم ومواقفهم تجاه ما يمكن أن يكون قد قدمه هذا النائب الجديد على العمل النيابي والبرلماني، لأنه لم يستوعب حتى الآن دور الصحافة، ولم يتعرف عليه.. ومثله يجب ألا يكون لهم مكان تحت قباب البرلمان والمجالس التشريعية.. إذا ما ارتأينا استخدام منطقه الاقصائي في التعامل مع الوقائع والأحداث، اللهم أغفر لنا وأرحمنا أعف عنا يا أرحم الراحمين.. آمين.
و.. جمعة مباركة..