مقالات متنوعة

إمام محمد إمام : سدوا الذرائع ولا تغلقوا الأبواب أمام جهود السلام


في خطوة مفاجئة، لم يتوقعها كثير من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه، أعلن الدكتور جبريل إبراهيم محمد رئيس حركة العدل والمساواة ورئيس الجبهة الثورية يوم السبت الماضي عن اعتزامه مع مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، المطالبة بإشراك دولة قطر في منظومة الوساطة الأفريقية خلال اجتماعات الدوحة المرتقبة بين قيادتي حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان وأحمد بن عبد الله آل محمود نائب رئيس مجلس الوزراء القطري، بُغية تفعيل علاقة الدوحة بمسارات العملية السياسية والسلمية في السودان ودارفور بشكل خاص.. وقدم الدكتور جبريل إبراهيم مرافعة وحيثيات لهذه المطالبة أو المناشدة، بأن «هناك الآن أطراف متعددة لديها تفويض في قضية دارفور، وقضايا السودان.. القطريون والآلية الأفريقية، وكذلك الوسيط الأفريقي المشترك، لديه تفويض، لذلك نريد وساطة مشتركة تستطيع التعامل مع هذا الدور، بلا تجاذب ولا تعارض.. كذلك نريد الاطمئنان الى وساطة نتعامل معها دون أن نبعد القطريين، نريدهم أن يكونوا جزءاً من الوساطة، كما لا نريد أن تكون العملية السياسية حكراً على القطريين». أحسبُ أنه إذا صدقت النيات، وأخلصت العزائم والارادات، فإن دعوة حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، الى توحيد مسارات العملية السياسية، وصولا الى السلام عبر دمج الوساطتين الأفريقية والقطرية، يُعجل بمعالجة قضايا السودان كافة، ويعطي زخماً إضافياً الى الحوار الوطني الذي بلا أدنى ريب ستكون مخرجاته المأمولة أكثر فاعلية، وأقوى تأثيراً، إذا ما انضمت اليه هاتان الحركتان المسلحتان في أي مرحلة من مراحله. لذلك لم يكن غريباً أن سارعت الحكومة وبعض أعضاء آلية الحوار الوطني، إلى الترحيب بهذه الدعوة الجبريلية.. وقد رحب الدكتور أحمد بلال عثمان وزير الاعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة وبرفقة عضوي آلية الحوار الوطني فضل السيد شُعيب وبشارة جمعة، في تصريحات صحافية يوم الأحد الماضي بدعوة حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان الى توحيد مسارات عملية السلام عبر دمج الوساطتين الأفريقية والقطرية.. وفي ذات الاتجاه، كان الدكتور عبد الملك محمد أحمد البرير نائب رئيس القطاع السياسي في المؤتمر الوطني الذي أصدر قراراً جمهورياً أول من أمس «الثلاثاء» بتعيينه مديراً عاماً للادارة العامة للشؤون السياسية والإعلامية بالقصر الجمهوري بدرجة وزير دولة، عقب اجتماع المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني «الحزب الحاكم»، يوم الاثنين الماضي، قد قال: «إن حزبه يأمل أن تعمل حركات دارفور من أجل التعجيل بخطوات انضمامها الى اتفاق الدوحة للسلام».. من هنا يتضح جلياً، أن ثمة اتفاق بين جميع الأطراف، بشأن تسريع خطى السلام والاستقرار، ومحاولات لإحداث قدر من المقاربة بين مواقف الحكومة والمعارضة، لاسيما المعارضة المسلحة فيما يتعلق بضرورة التعجيل بمشاركة الجميع من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في السودان. ومما يلفت الانتباه، الحذر الذي أشار اليه الدكتور أمين حسن عمر رئيس مكتب متابعة سلام دارفور حول دعوة الدكتور جبريل إبراهيم من أنها محاولة للالتفاف على خارطة الطريق التي رفضت الحركات المسلحة التوقيع عليها، مُشيراً إلى أنها محاولة للتوصل الى تفويض جديد خارج نطاق تفويض الوساطة الأفريقية المشتركة والقطرية والتي تتأسس على إكمال العملية السلمية على أساس وثيقة الدوحة. وأحسب أن الدكتور أمين حسن عمر الذي لا نتفق معه في رفض دعوة الدكتور جبريل ابراهيم الى دمج الوساطتين القطرية والأفريقية، رفضه يجيء من باب سد الذرائع، حتى لا يحدث التفاف على خارطة الطريق التي وقعت عليها الحكومة، ولم توقع عليها حتى الآن المعارضة المسلحة والمدنية.. ويعلل الدكتور أمين حسن عمر رفضه بخشية إنشاء تفويض جديد.. من هنا نقول للدكتور أمين حسن عمر، ومن رأى برأيه، سدوا الذرائع ولا تغلقوا الأبواب أمام جهود السلام. ومن الضروري بسط القول في شرحٍ بإيجازٍ غير مُخلٍ، عن سد الذرائع، هو أحد أصول الفقه الإسلامي عند الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني، والامام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي، والذريعة عند علماء الأصول هي ما يُتوصل به إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة. وبالتالي الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع.. فمن هنا ربما، جاء رفض الدكتور أمين حسن عمر لهذه الدعوة، ولكن اذا خلُصت النيات، وانعقدت العزائم، يُمكن ازالة شُبهة الذريعة من هذه الدعوة الجبريلية، وبذلك ينتفي الحذر الأميني منها، وتكون مدخلاً مهماً من مداخل التسريع بخطى استدامة السلام والاستقرار والتنمية في السودان. أخلص الى أن هناك بارقة أمل والمسلم بطبعه كثير التفاءل، لقوله «صلى الله عليه وسلم»: «تفاءلوا بالخير تجدوه»- في أن يُسفر لقاء الدوحة نهاية هذا الشهر عن انضمام حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان الى وثيقة الدوحة مُبتدئاً، ومن ثم الانخراط بفاعلية في مسارات العملية السياسية، من أجل السلام والاستقرار، ليس في دارفور وحدها، بل في السودان كله.