تحقيقات وتقارير

تقام أحياناً في فنادق فخيمة ولا تخلو من “البريستيج” حفلات الطلاق.. حسناوات يطلقن زغرودة الخلاص


مطلقة: مازال مجتمعنا يرفض طلب الطلاق وإن كان الرجل مريضاً نفسياً

مطلقة: أقمت الحفل لكي أثبت للمجتمع أني لا احتاج لنظرة شفقة

خبيرة علم اجتماع: حفل الطلاق سلوك مرفوض ولابد من زيادة الوعي المجتمعي للقضاء عليه

انضمت خلال السنوات الأخيرة (بطاقة دعوة) لمناسبة خاصة ضمن دعوات المناسبات الأخرى المعتادة كالزواج والتخرج والتكريم هي دعوة (حفل الطلاق) التي أصبحت موضة متداولة بين المطلقات حيث تقوم السيدة المطلقة بعد حصولها على الطلاق بحجز صالة أو قاعة مناسبات مع طباعة كروت دعوة خاصة لطلاقها لتدعو جميع الأهل والمعارف لمشاركتها فرحتها وشعورها في هذا الحفل الذي لا يقل بتكاليفه عن الحفلات الأخرى ليس ذلك وحسب بل ويشاركها أحيانا بناتها وأبناؤها الصغار في فرحة والدتهم بالانفصال عن والدهم، فهل أصبح هذا الحفل (بريستيج) ما بعد الطلاق؟ أم تراه السيدة إثبات لجميع من يراها من خلال الحفل بأنها لا زالت تتمتع بالسعادة والأناقة بعد طلاقها؟

تشجيع لحفل
أم وفاء تحكي قصتها مع الطلاق وتشير بعد أن حمدت الله، إلى أنها حصلت على الطلاق بعد سنتين من زواجها دون أي مشاكل وباقتناع تام بينها وطليقها بأنه لا يوجد توافق بينهما، واردفت في حديثها لـ(الصيحة): لم أكن أفكر بعمل حفلة لطلاقي إلا أن صديقاتي عندما علمن بعدم معاناتي في الحصول على الطلاق شجعنني بإقامة حفل، لأن الطلاق نادر ما يحدث في مجتمعنا السوداني بتراضٍ من الطرفين، وبالفعل استأجرت استراحة مناسبات وعزمت جميع الأهل والصديقات للفرح بهذا اليوم وكنت بالفعل سعيدة جداً.

فرحة بالطلاق
ويختلف الوضع مع السيدة أم محمد وتقول: بعد أن ساءت العشرة بيني وبين زوجي طلبت الطلاق فرفض وجلست عند أهلي ثلاث سنوات معلقة دون طلاق وتعبت كثيراً من الذهاب للمحاكم خلال هذه السنوات فمجتمعنا السوداني لا يقبل طلب الزوجة الطلاق من زوجها حتى وإن كان الرجل مريضاً نفسياً أو مدمناً أو غير سوي يرون أن الصبر هو خير دليل على الزواج المثالي، وخلال هذا العام حصلت على الطلاق، وفعلاً قررت عمل حفلة كبيرة للاحتفال بطلاقي الذي لم يكن سهلا وطبعت كروت وصل عددها 100 بطاقة وعملت الحفل بصالة زواج شهيرة, لأن فرحتي وخلاصي من هذا الرجل كانت نابعة من القلب وأحببت أن يشاركني الجميع فرحتي.

المجتمع هو السبب
وتروي (ن.م) مطلقة عن فرحتها وتخبرنا بأن المجتمع ينظر للمطلقة بنظرة حزن وشفقة وهذا هو سبب إقامتها لحفلة بعد طلاقها، وتضيف: بصراحة قمت بها لأثبت لمن حولي بأنه تم طلاقي وأنا صغيرة بالعمر ولا زلت اتمتع بالأناقة والجمال ولا احتاج للرحمة أو نظرات الحزن من حولي وتكون فرصة من خلال الحفل لتراني السيدات وأنا بكامل أناقتي وإنني لم أخسر شيئاً من طلاقي برجل كان كابوساً بالنسبة لي.

ضرورة
وتؤكد السيدة (وفاق . ز) على ضرورة إقامة حفل عند الطلاق خاصة وإن كانت السيدة حصلت على الطلاق بشق الأنفس مثل الذي حصل معها قائلة: جلست سبع سنوات وأنا أحاول الخلاص من زوجي الذي حرمني من أولادي وهم في سن ينبغي أن يكونوا معي شرعاً، وعانيت كثيراً وتنقّلت من منطقة لأخرى لمتابعة جلسات المحكمة، حتى عوضني الله صبري وأخيراً حصلت بالنهاية على أبنائي الصغار وبعدها على الطلاق الحمد لله وبعدها أقمت حفلة بصالة أحد الفنادق الشهيرة. والآن أشعر بالراحة والسعادة بعد أن حصلت على طلاقي وحضانة أبنائي لأن رحلة العناء التي مررت بها تستحق حفلة.

حياة غير مستقرة
(مني .ع) تبدو في فرحة طاغية وهي تروي لي أن سبب إقامة حفلة لطلاقها يعود لأنها عاشت حياة غير مستقرة لمدة سبع سنوات تعرضت فيها للضرب والإيذاء النفسي، وكانت كل مرة تستمر لأجل البقاء مع أبنائها وتربيتهم، وبيّنت أن يوم طلاقها كان أسعد يوم في حياتها بعد حياة زوجية غير مستقرة ومؤلمة؛ فكان لابد من التعبير عن الفرح ودعوة زميلات العمل والمقربات لها في إحدى صالات الفنادق بالخرطوم.

معلقة
أما حنين .أ ، فقالت: أقمت الحفلة لسبب وحيد هو استمراري معلقة 13 سنة ومراجعة والدي وإخواني بين المحاكم كي أكون حرة بنفسي، ما أجبرني على إقامة هذه الحفلة والتعبير عن فرح العائلة كاملة لي بعد هذه السنوات.

نفسية أفضل
ناقشنا الظاهرة مع الدكتورة عزيزة عوض الكريم المختصة في علم الاجتماع فأشارت إلى أنها تعلم عن كثير من الحالات التي تعاني منها السيدة من العنف الأسري والضغط الذي يولد الانفجار وأحيانا نتائج عكسية وقالت في حديث لـ(الصيحة) إن أغلب فرحة المطلقة لم تكن لشعورها بالسعادة لطلاقها ولكن لفرحتها بعد عناء طويل عانته قبل حصولها على الطلاق فهي بمثل هذه الحفلات وكأنها تكافئ نفسها على صبرها خلال فترة معاناة مرت بها قبل الطلاق امتدت لسنوات ومثل هذه الحفلات تجعل السيدة ذات نفسية أفضل وإحساسها بأن الجميع معها وفرح لها حتى بعد انفصالها.

أسباب متعددة
وذكرت الدكتورة عزيزة أن هذه الظاهرة متنوعة الأسباب ما بين عنف وإيذاء نفسي وجسدي؛ لذا تقرر المطلقة إقامة حفلة الطلاق لكي تجد فيها تفريغاً وتنفيساً عن الأذى النفسي والجسدي والنقص الذي تشعر به حيال مجتمع الرجل، فحفل الطلاق هو تعبير عن فرح الزوجة من زوجها الذي عانت منه كثيراً، وقالت إن مجرد التفكير في إقامة مثل هذه الحفلات هو دليل على الشعور بالنقص، وحضورها يساعد في رفع قيمة الطلاق في المجتمع وهو أبغض الحلال، ومثل هذه السلوكيات مرفوضة، ولابد من زيادة الوعي في المجتمع للقضاء عليها.

مخالفة للتقاليد
وأوضحت عزيزة أن هذه الحفلات تعد من السلوكيات الاجتماعية المخالفة للعادات والتقاليد، ولابد من الوقوف ضدها ومحاربتها من كافة فئات المجتمع؛ فإقامة بعض النساء حفلاً يضاهي حفلات الزواج احتفالاً بطلاقها أمر منبوذ، وقالت من غير المنطقي أن تقوم المطلقة بدعوة صديقاتها والمقربات منها لحفل على هيئة عرس، وربما تزف المطلقة وكأنها في ليلة زواجها، ولعل حجتها في ذلك سعادتها بالتخلص من الظلم الذي وقع عليها من طليقها، وربما هو تقليد لعادة سلبية دون التفكر والتأمل في الأضرار المترتبة على الإقدام على مثل هذا السلوك الغريب، وكم لهذه الظاهرة من آثار سلبية؛ فالطلاق أمر شرعه الله تعالى في حالات الضرورة القصوى وبعد محاولات عدة للإصلاح بين الزوجين، قال تعالى في كتابه الكريم: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، كما أن من الإيمان احتساب الأجر والإحسان بتذكر المعروف بين الزوجين، قال تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) فكيف يكون تطبيق أوامر الله تعالى بالاحتفال بالطلاق، وكيف لا تفكر المطلقة وهي تقيم حفل طلاقها بحال ونفسيات أبنائها أن كان هناك أبناء.

علاقات شبه مستحيلة
وتؤكد الدكتورة عزيزة أن هناك بعض العلاقات التي تكون شبه مستحيلة وتستوجب الانفصال لكن لا يحتاج الأمر إلى حفلة من هذا النوع خصوصاً إذا كان هناك أطفال.

وترى الدكتورة عزيزة أن هذا النوع من الاحتفال به استخفاف بمنظومة العائلة في المجتمع واتمنى التعقل من النساء وعدم الإقبال على إقامة مثل هذه الحفلات الغريبة، وتستطيع السيدة المطلقة التعبير عن سعادتها بهذا الانفصال بالسجود شكراً لله إذا كان طلاقها مصدر راحة لها وبداية لحياة أفضل.

إحصاءات مخيفة
الشاهد أن هناك زيادة كبيرة في حالات الطلاق وهو ما يفسر ظهور بعض السلوكيات غير المألوفة مجتمعيا مثل حفلة الطلاق. فقد كشفت عن ارتفاع نسبة الطلاق إلى (6/20 %) وأنها بلغت خلال الأعوام من (2008-2012) على مستوى السودان نسبة (4/19%) في العام 2008 و( 5/20 %) 2009 و(5/20 %) في العام (2010) 1/ 20/ وفي (2011 1/1 2%) فيما بلغت ( 2/20 %) في العام 2012)، ونسبة الزواج إلى الطلاق بلغت (6/20 %) وقد وُصفت بالخطيرة، وقد تحدثت العديد من الندوات التي تلفت إلى ظاهرة تفشي الطلاق، والتي كثيراً ما أخذت في الأسباب والعلاج بأنها تحتاج للوقوف والبحث عن وسائل العلاج قبل أو بعد وقوعه.

تباهٍ ومفاخرة
وتعود الدكتورة عزيزة عوض الكريم المختصة في علم الاجتماع قائلة: إن تصاعد الظاهرة يجعلنا نطرح عديداً من الأسئلة: كيف بدأت؟ ولماذا استمرت؟ وما الهدف منها؟ فمع الأسف بعض التصرفات في مجتمعنا غريبة بعض الشيء، ورغم الغرابة إلا أن بعض أفراد المجتمع ينجرف نحوها بسبب التقليد الأعمى دون إدراك وبلا وعي تام لمردود هذه التصرفات، وبعض السيدات هدفهن التباهي والمفاخرة حتى لو كانت تصرفات سلبية وخاطئة، وربما يكون الهدف لفت انتباه هؤلاء الأفراد؛ للبحث عن الشهرة وتطبيق مبدأ (خالف تُذكر)، وهذا يجعلنا نتأمل مثل هذه التصرفات غير الناضجة، هل هي رد اعتبار لبعض المطلقات؟ أم أن هناك من كان يعاني بالفعل؟ وهل كل من يعاني لابد أن يحتفل بالطلاق؟ إذاً الموضوع لا يخرج عن التقليد، ثم هذا رد اعتبار بطريقة خاطئة وغير ناضجة، وأيضاً فيه غياب للفكر، وهناك من يعتبر تلك الحفلات وسيلة لشغل وقت الفراغ وهنا أقصد الفراغ المعنوي والداخلي للإنسان، فعندما يكون الفرد خالياً من أي هدف في الحياة، يكون سهل الانقياد لأي ظاهرة في المجتمع حتى وإن كانت سلبية، ولاشك أن من يقيم هذه الحفلات من صغيرات السن وغير الناضجات وبعضهن يرغبن من خلال هذا الاحتفال إغاظة الطرف الآخر حتى لو كان بعيداً، وأحياناً يكون هروباً من واقع مرير، وقد تفضل بعضهن القيام بذلك لرد الاعتبار لنفسها.

وأضافت عزيزة أن الأسباب قد تكون كثيرة ومتشعّبة، لكن أهمها هو الجهل وعدم الوعي والنضج الفكري، الذي حينما يُفقد تبدأ أي ظاهرة سلبية في الظهور، واستمرارها هو بسبب الفراغ الفكري وغياب النضج المعرفي لأهمية الأهداف في حياة الفرد، وعدم وجود احتواء لمشاعر المطلقة من قبل بيئتها أو محيطها، فتشبع تلك الاحتياجات من اهتمام في إقامة حفل يكون الهدف منه معنوياً، وكأنها تثبت وجودها بذلك، ويوجد أحياناً من يشجع ذلك من بيئة المقربين منها كعملية فرح لا أكثر لكنها بتعبير خاطئ، والهدف كما ذكرت رد الاعتبار بطريقة خاطئة ومحاولة إثبات الوجود بطريقة سلبية والتباهي والتفاخر والتقليد الأعمى، ولاشك أن ظهور الظواهر الغريبة سببه الجهل وعدم معرفة الذات من الداخل؛ فتضيع الشخصية بين متطلبات الأنا وحب الظهور وعدم معرفة الفرد بما يريده والأهداف الحقيقية التي يسعى لبلوغها.

تحقيق: تيسير الريح
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. بالنسبة لام وفاء انا اقول لك خدعنك صديقاتك لانك طلبت الطلاق لعدم التوافق بينك وزوجك وبالرضاء والاقتناع فلماذا اذا الاحتفال بالطلاق وقد حصل دون معاناة اما بالنسبة للمعلقة لثلاث عشر سنه والتى منعت من حضانة ابنائها والدخول في المحاكم فربما يكون هناك بعض الغبن الذي ربما تريد المرأة ان تحتفل بالفكاك من المشاكل ولكنها كما أو ردت الدكتورة عزيرة فانها حالات غريبة والحصول على الطلاق ليس مرغوبا فيه البتة الا انها الضرورة التى تدفع اليه بانعدام المودة والرحمة والسكن فالزواج سكن ورحمة فابنعدامها يدخل الشيطان ليدفع احد الطرفين للطلاق وان وقع فليكن بالتى هى احسن .