جمال علي حسن

تأشيرة البشير.. قيمة المواجهة ووهم البريستيج


تأشيرة الرئيس البشير لدخول أمريكا للمشاركة في قمة الأيدز ليست تهويمة دبلوماسية أو قصيدة شعرية مثل تلك القصيدة الاحتجاجية الشهيرة قصيدة (التأشيرة) للشاعر المصري هشام الجخ، بل هو مطلب جاد من جانب السودان حيث أن البشير سيذهب بالفعل إلى أمريكا لو توفرت عند أمريكا شجاعة بإصدار إذن دخوله إلى أراضيها.
وبمجرد تقدم الخارجية السودانية من جديد بطلب إصدار تأشيرة للبشير للمشاركة في قمة الأيدز وتلبية دعوة كي مون فإن ذلك الطلب قد أدخل أمريكا في موقف صعب حقاً.. (كدا ووب وكدا ووبين)، دون وجود خيارات أخرى بالنسبة لها..
فهي – أي أمريكا – إما أن تلتزم باتفاق المقر الذي أشرنا اليه في مقال سابق طالبنا فيه الخارجية السودانية بعدم التنازل عن حق مشاركة المسؤولين السودانيين في الاجتماعات الأممية.. وإما أن تمتنع أمريكا وتخالف مرة أخرى بنود اتفاقية المقر أو خيار ثالث مستبعد هو أن تصدر التأشيرة وتقوم بالتعرض للرئيس البشير دون حق قانوني لأنها ليست عضواً في اتفاق روما ولا تملك سنداً قانونياً بتنفيذ أوامر الإستدعاء التي تصدرها هذه المحكمة.
وبالنسبة لأمريكا فإن طلب السودان إصدار تأشيرة البشير هو أمر محرج جداً لها إعلامياً وسياسياً خاصة بعد انسحاب المسؤولين الأمريكيين من حفل تنصيب موسيفيني بسبب وجود البشير في كمبالا الأسبوع الماضي.
ومثلما أنه كان من واجب البشير كرئيس أفريقي أن يشارك جاره اليوغندي هذه السراء فقد التزم الجار اليوغندي بالوفاء للموقف ومؤازرة السودان في ضراء ملف المحكمة الجنائية فرد موسيفيني تحية البشير بمثلها وهاجم المحكمة ولم يكترث لموقف المسؤولين الأمريكيين والذي ستثبت ورطة قمة الأيدز لهم أنه كان موقفاً متهوراً، وأنهم لم يكونوا في حاجة لإدخال بلدهم في هذا الحرج وهي الدولة الملزمة بمنح تأشيرات الدخول لجميع رؤساء الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
الآن لو امتنعت واشنطون عن إصدار تأشيرة الدخول للبشير فستكون قد خالفت المواثيق الدولية للمرة الثانية في حالة الرئيس وحده، ولو أصدرت التأشيرة فإنها ستبصق على موقفها أو موقف المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا قد انسحبوا بحماقة غير مدروسة من احتفال تنصيب موسيفيني..
أعتقد أن مواجهة البشير للمحكمة الجنائية الدولية لن يقرأها التاريخ بهذه البساطة التي يتعامل بها البعض حين يحصرون آثار هذه المواجهة في بعض الأغبرة وخدوش الحرج الطفيفة على جدار سيادة الدولة واسمها وتلك الآثار الجانبية التي تنتج عن تلك المواجهة ولا يتعمقون في القيمة الحقيقية لها.. فقيمة هذه المواجهة أكبر وأهميتها التصحيحية التأريخية لنظرة الغرب للقارة الأفريقية ستكون كبيرة.
القضية ليست بالبساطة التي يتحدث بها البعض بأنها مجرد مواجهة محرجة وتحدٍ يمس ب (البريستيج) الخاص باسم السودان في محافل العالم.
هذا غير دقيق، لأن هذا العالم الآن يحتفظ معظم قادته خاصة القادة الأفارقة بهذا (البريستيج) الظاهر في المحافل الدولية لكن تذبحهم الغبينة من استعلائية الغرب وظلمه واحتقاره المستمر لهم.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.