مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : التسويف لا


يظل الحوار الوطني على الرغم مما به من أعطاب وما عليه من مآخذ، يظل هو الأمل الوحيد الذي يلوح في الأفق البعيد إذا صدقت نوايا النظام في البحث عن مخرج من الأزمات التي ورط فيها البلاد، والمآزق التي أدخل فيها نفسه والناس أجمعين. الحوار اليوم أضحى كحياة البرزخ فإما إلى بداية نعيم واستقرار سياسي ونهضة اقتصادية، أو بداية فوضى جديدة حرباً قبلية تشعلها المليشيات.. في سلسلة المقالات التي كتبناها فيما يتصل بالحوار ومطلوباته، وكيف أنه بات بمثابة الفرصة الأخيرة التي يجب أن يحرص الجميع على عدم تضييعها، كثيراً ما أشرنا إلى أن الكرة الآن في ملعب النظام، إن شاء قذف بها في المرمى وحقق الهدف الوطني المنشود، وكفى الله المؤمنين القتال، وإن شاء أخلد إلى نعيم السلطة واستكان لشهوتها، وشدد قبضته عليها وانتظر الطوفان.
بقراءة متأنية للمشهد السياسي على صعيد الحوار الوطني يدرك المراقب أن أكبر الأخطار على الحوار تتمثل في اثنين هما: “كنكشة” النظام وهذا الأمر تحدثنا عنه باستفاضة في الحلقات الماضيات، وانتهازية القوى ذات الوزن “المعدوم” والتي دخلت الحوار وشاركت فيه بصوت عال، حتى توهمت أنها أحزاب كبيرة، وعليها ملء الفراغ الكبير الذي تركته القوى المؤثرة ..
القوى ذات الحجم الصغير والأصوات العالية والتي سبق أن اسميتها “البراميل الفارغة” التي تصدر ضجيجا يصك الآذان أكثر من الممتلئة، تلك هي لعمري تشكل خطراً أكبر على الحوار، وربما سأل سائل كيف ذلك؟.. حسناً. .هناك قوى سياسية تبدو على عجلة من أمرها ليس لإنهاء الأزمة، بل لاستعجال محاصصة تمني بها نفسها نهاية الحوار والحصول على مناصب ووزارات ومواقع دستورية، كثير من القوى ذات الأحجام الصغيرة، وكثير من “اللافتات” السياسية دخلت الحوار من أجل القسمة التي هي هدفها الأول والأخير، هذه التنظيمات سواء أكانت موجودة بالفعل على الأرض أو كانت وهمية تحاول إيهام النظام بأنها صاحبة قاعدة وغلبة، وربما صدقها، ولا غرو في ذلك فالنظام الذي يحتفي بثلاثة أشخاص مغمورين يعلنون أنهم قادمون للتو من التمرد، فلا شك أنه سيحتفي بالانتهازيين ويفتح لهم الأحضان ويغدق عليهم ما شاء الله له أن يفعل، والمشكلة أن هؤلاء الانتهازيين يغذون بؤر التعنت داخل النظام وبذلك لا يلتفت للقوى الحقيقية، وسيمضي سادرا في غيه، طالما أن وراءه من يصفقون ويوهمونه بسد الفراغ الكبير بأحجامهم الصغيرة، وبذلك تصبح لوحة الحوار مزيفة والمشهد الذي أمامنا مزور وغير حقيقي.
هذه القوى الصغيرة وخاصة الانتهازية منها ستجعل الحوار مسخا ومشوها، وستفرغه من مضمونه وأهدافه، وستعمل على توسيع الهوة بين النظام ومعارضيه الحقيقيين.
صحيح أن مجرد استجابة أي قوى سياسية للحوار أمر جيد في ظاهرها، لكن لابد من نظرة فاحصة لما هو أبعد مما هو ظاهر للعيان، يجب أن نغوص فيما هو أعمق، ينبغي أن نصوب النظرة إلى الأضرار التي تنطوي على تمدد حزب انتهازي صغير يريد أن يملأ الفراغ الكبير، ويحصل على مواقع، وليس له هدف سوى ذلك وهذا ما يريده النظام، لأن هذا هو أسلوبه وتكتيكه الذي دخل به على الساحة السياسية، حينما حاول أن يجعل من النور جادين، و”مهندسي مبادرة الهندي” الحاليين ومبارك الفاضل ونهار ومسار، زعماء لملء الفراغ السياسي الحاصل بعد قصقصة أجنحة القوى التقليدية وتقليم أظافرها ..
أعود وأقول لابد من صدق وتوجه إستراتيجي حقيقي لحل الأزمة بعيداً عن التكتيكات والمناورات السياسية، ولابد من جدية لأن الأوضاع ما عادت تحتمل المراوغة والتسويف.. اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.