الهندي عز الدين

برامج الغناء .. بعيداً عن التنطع !


{لا أرى وجاهة في زحمة الانتقادات المتكررة لاهتمام بعض الفضائيات السودانية بالغناء (السوداني)، وإنتاج عدد من البرامج الغنائية المكثفة، خاصة في شهر (رمضان) المعظم، بينما يتزايد السودانيون من زوار المساجد رمضان بعد آخر، على صلوات (التراويح) و(التهجد)، ورغم ذلك يتمسح المنتقدون على منصات الهجوم على تلك البرامج بمسوح الدين، بدعوى أن الشهر الفضيل لا ينبغي أن تكون فيه مساحة للفن، ولا غضاضة في بقية الأشهر!!
{ولا شك أنه منطق مختل وعدم معرفة أن يحلل أحدهم الغناء في “رجب” أو “شعبان” بينما يحرمه أو يستنكره في “رمضان”!!
{في رأيي، وبعيداً عن الجدل الديني ومتاهاته، أن ما يقوم به الإخوة الفنانون الشباب في بلادنا، على ما يصاحب تجارب بعضهم من سقطات، هو عمل ثقافي وطني عظيم يستحقون عليه الشكر والتقدير، في ظل طوفان (العولمة) الكاسح الذي طمس الكثير من ملامح ثقافتنا وتراثنا بل ولهجاتنا !
{أطفالنا في البيوت يتكلمون اليوم العربية بلهجة (شامية)، فتسمع كلمات من شاكلة (هون) و(هيك)، نتاج ضغط المسلسلات والأفلام المدبلجة بألسنة الأشقاء من سوريا و لبنان.
{والبعض الآخر من أجيالنا القادمة، لا يعرف الكثير من كلمات العربية بفضل المدارس الأجنبية، فيتحدث الإنجليزية، ويغيب عن الواقع أزماناً طويلة .
{الفتيات في مقتبل العمر في “الخرطوم” لم يسمعوا بفنانين سودانيين قامات وأهرامات مثل “أحمد المصطفى” و”أحمد الجابري” و”سيد خليفة”، لكنهن يحفظن عن ظهر قلب أغنيات “إليسا”، “نانسي عجرم”، “شيرين عبد الوهاب” والقيصر “كاظم الساهر” !
{قبل أيام سألت خريجة جامعية وصوت “أحمد المصطفى” يملأ المكان: ما اسم هذا الفنان؟ فردت دون حرج: ما عارفة .. لكن الأغنية دي بغنيها “أحمد بركات”!!
{من المسؤول عن حالة التلاشي الثقافي التي تضرب مجتمعاتنا خلال السنوات الأخيرة؟! الدولة أم المجتمع .. أم أولاد الفنانين الراحلين الذين وقفوا بـ(عكاكيزهم) يمنعون الفنانين الشباب من ترديد أغنيات صارت ملكاً للشعب السوداني، دفع ثمنها من زمان تبجيلاً وتعظيماً ومالاً لأصحابها رحمهم الله ؟
{هل قابل أحدكم مواطناً (مصرياً) يتحدث بلكنة (خليجية) أو (شامية) في أي مكان في العالم ؟! لا شك أنكم ستشقون لتتذكروا نموذجاً واحداً .
{ما يبذله هؤلاء المطربون والمطربات الشباب من جهد كبير في مصارعة الغناء العربي والغربي الوافد، وحجز مساحات مقدرة في (جمهورية الحب والجمال) وسط ملايين السودانيين، هو عمل ثقافي إستراتيجي، يستحق تشجيع الدولة وتصفيق المجتمع .
{غنوا (سوداني) في رمضان وشعبان ومحرم وصفر، ولا تتأخروا عن الصلاة والدعاء.