مزمل ابو القاسم

مدينتك الهدى والنور


* ما دخلت طيبة، زائراً، وما رأيت مآذنها وقبابها وأضواءها، وما تنسمت أريجها واندغمت في روحانياتها إلا تذكرت حاج الماحي، مادح رسول الله، ونحا ذهني إلى اللوحة البديعة التي رسمها شاعرنا الفذ محمد المكي إبراهيم، وخطها بأحاسيسه كلها، وحملت عنوان (مدينتك الهدى والنور).
* توجت تلك القصيدة البهية شاعرية ود المكي، ووضعته بين صفوة محبي ومادحي النبي المعصوم، ويتقدمهم شاعر الرسول حسان بن ثابت، رضي الله عنه وأرضاه، والإمام البوصيري صاحب البُردة (بمدح المصطفى تحيا القلوب، وتغتفر الخطايا والذنوب)، وأحمد شوقي، (وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناء).
* أجاد ود المكي وصف أجواء (يثرب)، وخلَّد معالمها، وحلق مع أطيارها، وطاف في أُحُدها وبقيعها، واعتلى ذروة نخيلها، وتنسم عبيرها، ونفثه شعراً، بل سحراً حلالاً حين قال: (هنالك للهواء أريجه النبوي، موصولاً بأنفاس السماء وكأسها الكافور، هنالك للثرى طيب، بدمع العاشقين ولؤلؤ منثور، هنالك للضحى حجل بأسوار البقيع، وخفة وحبور، هنالك للصلاة رياضها الفيحاء، والقرآن فجرياً، تضج به لهى وصدور، بساعات الإجابة تحفل الدنيا، وأنهار الدعاء تمور، سلام الله يا أنحاء يثرب، يا قصيدة حبنا العصماء، سلام الله يا أبوابها، وبيوتها ونخيلها اللفاء، سلام يا مآذنها وفوج حمامها البكاء، ويا جبل الشهادة والبقيع سلام).
* زرتها هذه المرة بدعوة كريمةٍ من حكومة خادم الحرمين الشريفين، وصلتني مع آخرين، عبر الأخ الصديق، معالي فيصل بن حامد معلا، سفير المملكة العربية السعودية في السودان، وشملت ثلةً من العلماء وأستاذة الجامعات والدعاة والإعلاميين، ضمن برنامجٍ تريد قيادة المملكة أن ترسل به رسالة سلام ومحبة وتواصل، لتوحيد الرؤى، وإدارة حوار مثمر حول قضايا الساعة، وهموم الساحة، مع نخب منتقاة بعناية.
* لا جدال على أن السعودية تعتبر من أكثر دول العالم استقبالاً للزوار، الذين يتدافعون إليها بالملايين على مدار العام، لأداء مناسك الحج والعمرة، وزيارة الحرمين الشريفين.
* وفر ذلك الوضع خبرةً نوعية للكوادر المشرفة على تنظيم المناسك واستقبال ضيوف الرحمن، واهتمت قيادة الدولة بتوفير سبل الراحة والترحيل والسكن والعلاج والأمان لهم، وتراكمت تلك الخبرات عاماً إثر عام، لتنتج مزيداً من التجويد والعناية والتنظيم الجيد والعمل المتقن.
* من يزور المملكة حاجاً أو معتمراً أو زائراً يلحظ من فوره أن مسيرة التحديث والتجديد في نهج استضافة ضيوف الرحمن لا تنقطع، وأن كل عام يحمل جديداً لم يتوافر في الذي سبقه.
* لبيت الدعوة مسروراً، واستمتعت ببرنامجها الثري، إذ من يستطيع أن يقاوم إغراء زيارة الحرمين الشريفين، وأداء سُنةٍ يكافأ من يؤديها على الوجه الأكمل بغفران الذنوب؟، وقد نقل عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه قوله (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم).
* برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين يستحق الإجابة، ويستوجب الثناء، سيما وأن القائمين عليه ينتقون النخب المشاركة فيه بعنايةٍ، سعياً إلى تحقيق أهدافه النبيلة، لذا نرجو له أن يتصل ويتطور، ونظن أن ذلك سيحدث له طالما أن رعايته تتم بأمر وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين قبل غيره.