تحقيقات وتقارير

في شهادته على العصر ..الترابي : حديث الاعترافات عن مايو


في الوقت الذي تتأهب فيه البلاد لاستعادة ذكريات 25مايو استبق أحمد منصور في برنامجه شاهد على العصر حلول تلك الذكرى يجتر ذكريات تلك المرحلة مع أقوى شهود من (أهلها) الزعيم السوداني حسن الترابي كما يحلو لأحمد منصور أن يناديه في هذه الحلقة الأخيرة من أيام وذكريات الترابي مع قائد ثورة مايو نميري, توقف أحمد منصور عند محطات مهمة من ذاكرة الرجل فانتزع منه شهادة ربما تنشر لأول مرة رغم مرور عشرات السنين.
الترابي في هذه الحلقة يرسل سخريته ويوجه نقداً مباشراً لتجربة الاتحاد الاشتراكي كحزب, وبدأ كأنه ينقض غزله من بعد قوة, بيد أن الرجل تمكن من تقديم مرافعات وحجج قوية حول مشاركتهم في حكومة مايو واستوازره. وتمكن الترابي كعادته من الإفلات من أي حصار واتهامات له فيما يتعلق بتهريب الفلاشا وغيرها..
وكشف عن الأسباب التي جعلت النميري ينقلب على حلفائه الإسلاميين ويزج بهم في السجون, وما الذي أفسد الود بين النميري وزعيم الجمهوريين محمود محمد طه، حلقة تبدو هادئة ولكنها تحمل الكثير من الحقائق الصادمة.

مرافعة المشاركة:
دافع الترابي عن مشاركته في حكومة مايو وقال دونما تردد, شاركت ووزيران آخران لحفظ مشاريعنا الإسلامية وتمكنا من تحقيق بعضها كإدخالنا للاقتصاد الإسلامي, وأردف دخولنا كان جزءاً من خطة, بينما أراد النميري أن يتجنبنا و كنا نرتب أوراقنا وقد كان فرداً ونحن تنظيم. وفي سخرية عجيبة وصف الاتحاد الاشتراكي بأنه مجموعة من الناس كانت تصفق للرئيس ولم يكن هناك حزب ولاشيء, وأكد الترابي أن تجربة المشاركة في الاتحاد الاشتراكي لم تسئ للإسلاميين كون الحقيقة كان يعلمها الجميع وبالإمكان التمييز بين الاتحاد الاشتراكي التنظيم وبين الذين ينتسبون إليه إطاراً.
أحمد منصور لم يشأ إلا أن يصف التجربة بالانتهازية, لكن زعيم الإسلاميين أفتى بأن ليس هناك مانع من استثمار الفرص إن كانت لاتتعارض مع مبادئك الأساسية وقال إن تفوت الفرص, ذلك إلا أنك غافل ليس إلا مؤكداً أن النميري لم ينجح في سحب بساط الدعوة الإسلامية من تحت أقدامهم, وأضاف قائلاً : النميري لم يسحب منا المشروع وركبنا ذات الموجة بينما كنا نبتعد عن المحاكمات الناجزة والتي أرجعها لطبيعة نميري العسكرية.

مستشار لا يشار:
وقال الترابي إنه برغم أن الكثير من المؤشرات كانت تؤكد أن النميري انقلب على الإسلاميين إلا أنه لم يسمع خبرفصله إلاعبر الإذاعة, وسخر الترابي من تعيين النميري له كمستشار لشؤون حزبه الاشترتكي, قائلاً كنت مستشاراً لا أشار ولم يستشرن نميري يوماً.. ورد الترابي على سؤال مضيفه حول تعيينه كوزير إعلام في 1984 بالقول هذه وظائف بغير وظيفة ياخي).)

الشريعة والشارع:
وشهد الترابي بأن الشعب السوداني تجاوب مع تطبيق الشريعة الإسلامية تجاوباً واسعاً لكون الساحة السودانية كانت مهيأة لطبيعة الأحزاب القائمة على الدين على حد وصفه, مشيراً إلى أنه كان لتطبيق الشريعة الإسلامية انعاكساتها على المجتمع السوداني وأنها ساهمت في خفض معدل الجريمة وخفض شرب الخمر ، وكشف الترابي عن مشاعر الكراهية التي كان يحملها لتطبيق الحدود وقال كنت أكره الحدود ومنظر اليد وهي تسيل بالدم.
واعترف الترابي أن مظاهر الاحتفالات بتطبيق الشريعة الإسلامية لم تكن موفقة ومحسوبة العواقب قائلاً صحيح لم نكن نقدر ردة فعل هذا الأمر.

الأمريكان خلف الإبعاد:
رغم أن الترابي أكد في بداية حديثه أن أمريكا لم تكن مهتمة بالشأن السوداني كما الآن وأنها كانت مشغولة بنفسها ثم جاءت الثورة الإيرانية وفلسطين وانفصال أمريكا اللاتينية إلا أنه
بدأ واثقاً من أن مايو قد كشرت عن أنيابها في وجه الإسلاميين وأطلق عليهم الإخوان الشياطين بموجب صفقة بين نميري وأمريكا, عقب زيارة لجورج بوش الأب للسودان تناولت الفلاشا وتطبيق الشريعة وتنظيم الإخوان والقضاء عليهم في ذلك الوقت وأبلغ نميري أن شركات البترول قد خرجت من السودان بسبب تحريم الخمر, وقال الترابي بوش قال لنميري سيحدث لك ماحدث للبلاد حولك وأضاف بالقول تلك الزيارة هزت نميري, وأدخل كل القيادات السجن بالموسيقى العسكرية وأرسل مدير أمنه ليبلغ أمريكا بما فعله بنا, أيضاً نفى علمه بصفقة دفن النفايات النووية التي وصفها أحمد منصور بالجريمه الثانية لنظام مايو واكتفى بأنها الأخرى كانت سرية.

فتنة السلطة:
وأرجع الترابي التنازلات التي قدمها نظام مايو للأمريكان وإسرائيل في ذلك الوقت لكونه أراد الحفاظ على الكرسي و فتنة السلطة التي وصفها بالأخطر وقال الشيطان يعربد بالمفتون بالسلطة أكثر من المفتون بالمال أو الجنس.

تهريب الفلاشا:
ولم يقر الترابي, وزير عدل مايو في ذلك الوقت, بصفقة الفلاش,ا وقال مثل هذه الصفقات تتم سرياً بين الأجهزة الأمنية. وأجاب بعبارة نعم كون عمر الطيب مدير الأمن كان قد لعب دوراً كبيراً في إكمال صفقة نميري وإسرائيل لتهريب الفلاشا مشيراً إلى أنه تم دفع المبالغ المتعلقة بالصفقة عن طريق منظمات أمريكية. وحول محاولة أحمد منصور للإشارة إلى ضعف رواتب الأمن بأن الرئيس كان يأخذ 400 جنيه والعسكر 2 جنيه بقوله ماشاءالله ماشاءالله, وانهى الترابي الحديث حول الفلاشا بقوله لم أكن أعلم عنها شيئاً.

رسالة محمود محمد طه:
وقدم الترابي شهادته فيما يتعلق بمحاكمة محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري بالقول أنا أعرف محمود محمد طه منذ الوسطى حيث درست معه في المدينة التي يقيم بها, وأعرف كل أسرته وهم يؤمنون بالغيبيات, ومن قبل خرج بنا إلى السجن للإفراج عن( داية)- قالها هكذا آذت بنتاً فيما يعرف بالختان الفرعوني بحجة أن البرطانيين يخوضون في خصوصياتنا وأعرافنا.
ومضى الترابي في حديثه عن مؤسس الفكر الجمهوري وتعلو وجهه ابتسامته الساخرة, بالقول هو كان مع نميري في كل القرارات ووقف معه في ضربه للحزير أبا وسجن( الناس ) ولم يختلف معه إلا على تطبيق الشريعة ولأنه طبق شريعة محمد وترك شريعة محمود الذي كان يتحدث عن رسالة ثانية.
وختم الترابي شهادته بأن محمود محمد طه أيد نميري في كل أفاعيله, مؤكداً أنه لم يكن حضوراً لمشهد شنقه.

تردد سوار الدهب:
أما فيما يتعلق بوسام الشرف الذي يحمله المشير سوار الذهب في تسليمه للسلطة قال الترابي طبعاًهو نال الحمد من كل العالم, ولكن الأصل أنه كان متردداً في ذلك وقد استفتى شيخاً حول القسم الذي أداه, وقال إن سوار الذهب لم يتحرك من نفسه بل كان متحفظاً وأن نقابة الأطباء بقيادة الجزولي دفع الله كانت خلف الخطوة أضف إلى أن هناك ضباط في الجيش قرروا ذلك عقب حالة الحنق التي كانت يحملها الشعب السوداني ضد نميري.

الصوفية مسكينة:
وانتهى حديث ذكريات الترابي ومايو بقوله أنا لست نادماً على التجربة مؤكداً أن مشاركتهم بالاتحاد الاشتراكي دفعت بالحركة لتصبح قومية وساعدتنا في أن تكون لنا منابر, بينما ظلت الصوفية (مسكينة) بحسب تعبيره تتبع للحكام و(تشيل ليهم الفاتحه).

رصد:فاطمة أحمدون
صحيفة آخر لحظة