جعفر عباس

الأنف شاهد إثبات ضدك


أنصحك لوجه الله ألا تحك أنفك وأنت أمام مديرك أو رئيسك المباشر في العمل، أو معلمك في المدرسة، أو أحد والديك وأنت تتعرض للاستجواب بعد عملة مهببة، وذلك بعد أن أثبت علماء النفس بما لا يدع مجالا للشك، أن الإنسان عندما يكذب يحك انفه لا إراديا، ومشكلتي هي أنني أحك أنفي كثيرا حتى وأنا جالس وحدي. ربما لأنني أدمنت الكذب بعد العمل طويلا في مجال الإعلام العربي، حيث لا بد من الخرطي، والأدهى من ذلك ان العلماء يقولون ان الأنف يطول كلما مارس الإنسان الكذب، ويقولون ان بيل كلينتون غادر البيت الأبيض وانفه أطول ببضع سنتيمترات عن حاله عندما دخل البيت الأبيض أول مرة، وقد لاحظ البروفيسور ألن هيرش من جامعة (الينوي) الامريكية ان بيل كان يتهته ويلمس انفه كلما قدم إفادة كاذبة عن عمايله المهببة مع الفتاة العجالية مونيكا لوينسكي، ولعلكم تذكرون أنه زعم أن علاقته بها كانت شفهية وليست تحريرية (بصراحة ندمت على شرشحتي المتواصلة لكلينتون بعد ان جاء الطامة المسماة جورج دبليو بوش.. فالأول كان مشغولا بخمش وكمش النساء بينما الأخير تخصص في خمش وكمش الشعوب والدول).
ويضيف هيرش انه من آيات الكذاب، انه أيضا يهرش ويحك أجزاء أخرى من جسمه، وتلاحظ عليه علامات اللهاث الناتجة من سرعة خفقان القلب، كما ان الكذابين يميلون الى الجمل الطويلة لأنها تعطيهم فرصة المناورة وصولا الى كذبة مقنعة، ويمكنك التأكد من ذلك بمتابعة أي لقاء تلفزيوني مع مسؤول كبير فتجده يرد على الأسئلة بعبارات مثل: أولا أشكركم على إتاحة الفرصة لي لتوضيح بعض الحقائق الملتبسة على الجمهور.. في الواقع هذا سؤال جيد ويدل على انك مذيع ابن ناس وابن أصول وولد قبايل!!.. ثم لاحظ كيف ان بعض زعمائنا يقفون أمام المايكروفونات ليحدثونا عن الرفاهية والعز الذي نحن فيه ويرغي الواحد منهم ويزيد لنحو ثلاث ساعات ليثبت صحة ما يقول، ثم تكتشف أن الله لم يفتح عليه بجملة مفيدة.
ولا يعني هذا ان كل صاحب انف طويل كاذب، بل يعني انهم يدفعون ثمن العيش في مجتمعات تدمن الكذب، ومن المحزن حقا اننا شعوب تجعل من الكذب خبزا يوميا: ينهى الواحد منا عياله عن الكذب ويحثهم على قول الصدق ثم يرن الهاتف وتجد نفسك تصيح في ولدك او بنتك: إذا كان المتصل عرقوب بن يعقوب المكروب، قل له انني مسافر..لا بلاش مسافر! قل له ان بابا مات! واذا سمعت ان مديرا يمدح من يقوم بأعباء السكرتارية في مكتبه فاعرف ان ذلك الشخص بارع في الكذب، ومن النوع الذي تتصل به لتحديد موعد للقاء المدير في نفس اليوم فيقول لك بصوت متهدج: لا حول ولا قوة إلا بالله.. أبوه مات فجر اليوم!! الدوام لله.. وهل كان مريضا؟ ..أبدا كان يلعب التنس وفجأة سقط مغشيا عليه لأنه كان أصلا يعاني مرض القلب، وحاول المدرب إنعاشه ولكن المدرب أيضا مات بعد ان انتقلت اليه العدوى! تقول للسكرتير او السكرتيرة: يا سلام.. مرض القلب فعلا شديد العدوى، وخصوصا اذا كان الجسم يعاني نقصا في ثاني أوكسيد الساكسفون، وزيادة في فلاتر القولون،.. فيتنهد الكذاب ويطلق زفرة تحرق أسلاك الهاتف: كلنا لها!! وإذا كنت لئيما فقد تحاول إحراج ذلك السكرتير او السكرتيرة بقولك: ولكم ألم يمت أبوه الشهر الماضي حسبما أبلغتني أنت بالذات؟..هنا تتجلى البراعة والمهنية والاحتراف: لا فالذي مات الشهر الماضي هو أبوه في الرضاع!