تحقيقات وتقارير

أبو قردة يتهم وزارات ولائية بإفشال المكافحة دحر الملاريا… سياسة “التجفيف” تفشل في ردم “البركة


وزير الصحة بغرب دارفور: اتهامات وزير الصحة الاتحادي باطلة
وزارة الصحة بالنيل الأبيض: لا ننقص شيئاً مما يأتينا من دعم الوزارة الاتحادية
وزير الصحة بسنار: لا توجد زيادة في الإصابة بالملاريا في الولاية ونسيطر تماماً على الوضع

يبدو أن معاناة “مصطفى أحمد” مع مرض الملاريا لن تنتهي قريباً، فزائرة المتنبي تصر على أن تكون حاضرة في حياته شهرياً، لا تغيب عنه ولو بمقدار بعوضة فما فوقها. يقول “مصطفى”: ذات يوم استيقظت باكراً لأبدأ يوماً جديداً، ولكن لم أكن على العادة، فقد شعرت بأن جسمي يبدو كمن دهسته آلة ثقيلة، لذا لم أستطع التحامل على نفسي لأنهض من فراشي، فناديت ابني لكي يعينني على إحضار أغراضي التي أحتاجها صباحاً، إلا أن صوته جاءني فاتراً: (يا أبوي ما قادر أقوم من السرير، أنا عندي حُمى)، فأيقنت أن الذي أصابني قد أصابه، فأسرعت بمناداة ابنتي، ففاجأتني أيضاً بقائمة من الشكاوى الشفاهية، وقالت (عندي حمى وصداع حاد يا أبوي) وأضافت ابنتي: (نفس الأعراض الجاتني قبل عشرة أيام)، فأيقنت أن الملاريا قد اكتسحت البيت من جديد، ففي المرات السابقة صُرف لي دواؤها والذي لا يقتلعها تماماً، لذا تعود مجدداً، وأبنائي على نفس المنوال حتى أصبحنا فاقدي اللياقة البدينة.. باختصار نحن نعاني فمن ينصتُ لنا؟

إقرار وزاري
أين غُّيّبت الأموال التي تدعم مكافحة الملاريا؟ سؤال برز إلى السطح بشدة، بعد أن أقر وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبوقردة بتراجع كبير في مكافحة الملاريا، مما أدى لزيادة واضحة في معدلات الإصابة بالمرض منذ العام 2014 وبصورة لافتة في ولايات الخرطوم، والجزيرة، النيل الأبيض، نهر النيل، كسلا، جنوب كردفان، شرق ووسط دارفور.

واتهم الوزير أبوقردة بعض الصيدليات بالتلاعب في توزيع الأدوية المجانية للمواطنين من خلال عرضها في أمكنة غير واضحة، الأمر الذي جعل المريض يحسب أنها غير موجودة بالصيدلية، وعزا أبوقردة زيادة معدلات المرض لتراجع المكافحة في الطور المائي (البعوض) في كل الولايات، إضافة إلى تناقص الدعم الحكومي للمكافحة، موضحاً أن نسبة الإصابة بالمرض متزايدة بصورة أكبر في المحليات الحضرية، فيما أوضح الوزير خلال تقديم بيانه أمام البرلمان أن معدلات الإصابة بالملاريا في تزايد مستمر، وقال إن ذلك يعود لعدم التزام الولايات بتعيين العدد المطلوب لعمال رش مبيد مكافحة المرض، وأشار إلى أن النقص في الكادر بلغ 3 آلاف و880، وأن وزارته وبحسب القانون لا تستطيع محاسبة وزارات الصحة بالولايات على هذا الأمر.

قراءات راصدة
عقب قرار دمج وتجفيف برامج مكافحة الأمراض (البرامج الرأسية) لتكون تحت مسمى (الأمراض غير السارية)، رأى كثيرون أن وزارة الصحة أرادت بهذا القرار أن تضع يدها على الدعم الخارجي خاصة أنها تجد دعماً خارجياً لا يقل عن 4 مليارات جنيه سنوياً لبرنامج واحد، غير أن البعض لم يستبعد وجود شبهة تجاوزات في إدارة ما لا سيما وأن الدعم الخارجي كان يتصرف فيه أشخاص، في وقت أكد فيه مسؤولون أن الوزارة عندما وضعت يدها على دعم البرامج المجففة وجهت الميزانيات إلى الصرف الإداري متناسية مكافحة الأمراض، الأمر الذي زاد من نسبة ارتفاع الوبائيات خصوصاً الملاريا التي انتشرت في عدد من ولايات دارفور والوسط بعد أن كانت وزارة الصحة تتحدث عن ولايات خالية من الملاريا منها الخرطوم التي قفزت فيها نسبة الإصابة إلى 40% بعد انخفاضها إلى أقل من 1%.

تصحيح مسار
(تجفيف البرامج) هذا المسمى ترفضه وزارة الصحة بشدة وتسميه بـ(سياسة التكامل)، ويعد (تجفيف البرامج) أو (سياسة التكامل) خطوة أفصح عنها مختصون في الشأن الصحي ووصفوها بأنها غير مدروسة؛ وأشاروا إلى أنها نتاج لقرار أتُخذ في العام 2012 أعقبه انتشار متزايد للوبائيات والذي تجلى في بعض المناطق التي رفعت لافتات فحواها (يوجد دواء الملاريا مجاناً)، إلا أنه بعد صدور القرار توارت تلك اللافتات ومثيلاتها خجلاً، وانتشرت العديد من الوبائيات، وكلها تتبع لبرامج تم تجفيفها، وقد أكد مختصون في مجال الصحة بأن هذا الأمر يستدعي وقفة جادة ويؤكدون أن سياسة التكامل في خدمات الرعاية الصحية الأولية هي قضية جودة للخدمات في المقام الأول حتى تقوم المؤسسة على أسس متينة لضمان استمراريتها إضافة إلى ترشيد الأموال وتقليل الحاجة إلى العمالة الفنية.

أسئلة حائرة
هل هذا هو الوقت المناسب لاتباع سياسة التكامل؟ لاسيما تحت ظل التعقيدات الراهنة إضافة إلى أن الوزارة لم تقم بإجراء دراسة مقارنة للوضع ما قبل وبعد تطبيق التكامل؟ وهل حدث تحسن في القضاء على الملاريا والأمراض المستوطنة؟ أم تأثرت هذه البرامج وتفاقمت الأزمات؟ وبالتالي زادت معاناة المواطن الذي فقد الخدمة التي تقدمها (البرامج الرأسية) وما كانت تمتلكه من موارد عمل، وهل كانت تلك البرامج خصماً على جودة العمل؟ وهل حققت البرامج الرأسية خططها للأعوام الماضية؟.. هذه التساؤلات تنتظر الإجابة، ولكن تنبأ العديد من خبراء الصحة بأن جُلّ تلك الأسئلة ستكون إجابتها نفياً بالطبع، ففي حال ظهور أي تدهور في الأداء، فإن المردود الصحي في السنوات المقبلة يعني أن تعاود بعض الأمراض انتشارها بصورة مكثفة كمثال (الملاريا)، ونوّه مصدر طبي مطلع لـ(الصيحة) إلى أن الأمراض الوبائية لم تقتصر على الملاريا فحسب بل تعدتها إلى وبائيات أخرى، إذ انتشرت بمعدلات مرتفعة، وأوضح المصدر أن تلك المعدلات في مواقع محدودة وتمت الاستجابة للظاهرة بحملة قومية نفذت بنجاح ومتوقع أن تعطي آثاراً إيجابية لصحة الأطفال، وقال إن الميزانية المخصصة لدعم تلك البرامج عندما تصبح تحت طائلة إدارة الوزارة تكون معرضة للتطاول الإداري والقسمة ومبررات إدارية ليس لديها ما يسندها.

الدعم الخارجي في اتجاه الفقد
يقول ناشط سابق في مجال مكافحة الملاريا رفض الإفصاح عن هويته إن سياسة التكامل في إطارها النظري للخطة، تعتبر ممتازة لكن نجاحها يقتضي وجوب نظام صحي قوي وشفاف ونظام للمتابعة، وهذا ما لم يتم توفره في الوضع الحالي بالوزارة، كما أبان أنه لابد من التدرج في تطبيق التكامل خاصة فيما يختص بالبرامج الرأسية إذ أنها كانت تحقق نجاحات كبيرة فضلاً عن تمكن البرامج والنجاحات التي حققتها بإقناع عدد من المانحين، وتم تمويل السودان بمبالغ كبيرة جداً، وبدت وضوح الرؤية وكيفية هذه البرامج مما مكنها من استقطاب دعم خارجي غير مسبوق والمحافظة عليه بل إن برنامج الملاريا تبنّى مشاريع جريئة واستقطاب مشاريع الولايات خالية من الملاريا واستطاعت هذه البرامج من خلال الحراك الواسع والنتائج التي قدمتها على الأرض من توفير إمكانيات غطّت جميع ولايات السودان وتم تأهيل العديد من الكوادر الصحية خلال هذه البرامج بصورة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، فيما أكد مسؤول سابق بوزارة الصحة، أن الدعم الخارجي للبرامج المجففة والذي يمثل 80% من الدعم عرضة لاستغلال أشخاص بعينهم وذلك لأن التمويل الخارجي يخضع لنظام مراجعة خاصة بحيث ترفع للجهة الخارجية الداعمة المنصرفات حسب الورش والاجتماعات، هذا غير منصرفات السفر والحوافز واللجان، وبالطبع إذا كان نظام مراجعة غير محكم فبالطبع يكون عرضة للفساد، وأضاف: مؤكد أن محور الصراع بين قيادات وزارة الصحة هي تلك الأموال، إذ أن الصراع يعتبر صراعاً على الأموال لا صراع سياسات، وأن الأموال الخارجية قبل تجفيف البرامج كان التصرف بحق إدارات بعينها، غير أن الصحة بتجفيف البرامج أضحت تلك الميزانية تحت إمرتها وبذا توجه الصرف إلى صرف إداري بدلاً من الاستفادة منها في مكافحة الأمراض.

سنار تُعد العُدّة
وزير الصحة بولاية سنار محمد عبد القادر المأمون أكد لـ(الصيحة) أن سنار لم تذكر في تقرير وزير الصحة، وقال: نبذل في ولاية سنار جهداً كبيراً وننظم حملات مكثفة لرش المبيدات وكبح الملاريا في طورها الأول والأثر الباقي، في تضامن كامل مع كل الوحدات والمسشتفيات، فقد رفعنا كل العدد المطلوب منا بشأن العمال وهو 213، إلى وزارة المالية ليتم تعيينهم، أيضاً تبنينا مشروع قرى سنار التابعة للمشاريع المروية، لما فيها من توالد بعوض كثيف، ووضعت ضمن البرمجة المنظمة للمكافحة مع كافة المشاريع الموجودة بالولاية بما في ذلك مشاريع كساب والسكر، وهناك مساهمة اجتماعية لمكافحة البعوض، وأكد في حديثه: أنه ليست هناك زيادة في الإصابة بالولاية لأن هناك سيطرة على الوضع، كما أن هناك تعاونا لنا مع هيئة المياه بالولاية للنظر في الشبكات، فقد اكتملت الصيانات، والحراك يمتد لمحليات الولاية كافة، وقد استضفنا اليوم العالمي لمكافحة الملاريا بسنار في يومي التاسع والعاشر من الشهر الحالي بتشريف من وزيرة الدولة وفي معيتها كل المنظمات الداعمة، وسيشهد مركز مكافحة الملاريا تطويراً من خلال المتابعات، للقضاء على الملاريا كونها الهاجس الأكبر لمواطن الولاية خاصة وأنها من الولايات التي تحظى بنسب عالية من الأمطار.

لا ننقص مما يصلنا شيئاً
من ناحيته أكد مدير عام الوزارة بوزارة الصحة بولاية النيل الأبيض الدكتور موسى محمد أحمد في حديثه لـ(الصيحة) اعتمادهم في التصدي لمكافحة الملاريا وفق ما يأتيهم من دعم اتحادي، وقال: نوزع الدواء مجاناً كما يأتي إلينا ولا ننقص منه شيئاً، ويشمل برنامجنا الموضوع ربك والسلام والجبلين، إضافة إلى توزيع الأدوية الذي يشمل المراكز الصحية، وأضاف، حتى الآن قمنا بتعيين 194 عاملاً لصالح الإسهام الفاعل في خدمة مكافحة الأمراض الوبائية والتي تمثل الملاريا أولها، بعد أن أصبحت هاجساً حقيقياً.

اتهامات خاطئة
وبدوره قال وزير الصحة بولاية غرب دارفور التجاني الطاهر كرشوب لـ(الصيحة): نحن كوزارة صحة بالولاية نوجه كل ما يأتي إلينا من وزارة الصحة الاتحادية للغرض المخصص له، وأضاف: الآن الوضع مستقر تماماً بشأن الملاريا وضبطها مقدور عليه حتى الآن، فكل الاتهامات التي وجهت لنا كولاية شملها قرار الوزير الاتحادي، لا أساس له من الصحة ومحض اتهامات باطلة، وليس هناك فائض دعم يصلنا حتى يتم اتهامنا بهضمه ونتسبب في انتشار الملاريا بالولاية، وأضاف كرشوب: لدينا لجنة لتثبيت أمر المكافحة القائم بالولاية، من قبل كل الجهات، ونحن الآن كوزارة ماضون في اتجاه تعيين عمال لدحر المرض في أطواره الأولى، في توجيه وزاري لوزارة المالية لتعيين النقص القائم بشأن العمال، ولا أرى أن لوزير الصحة الاتحادي علاقة بما يدور في الولاية كونه يكيل الاتهامات الآن دونما علم وثيق بما يدور في الولاية وتحديداً الوزارة، فكل الذي يصلنا من أدوية يتم توظيفه التوظيف الأمثل دونما مداراة لأي دواء أو إخفاء له.

تحقيق: تيسير الريح
صحيفة الصيحة