جعفر عباس

كودايين سم سم كوكايين


تكمن خطورة العقاقير المسكنة للألم في كونها موجودة في البقالات ومحطات البترول، وعند أكشاك بيع الصحف، وأكبر مستودع لمسكنات الألم هو حقائب اليد النسائية، وإذا صادفت امرأة قالت إنها لا تحمل معها بنادول فإنّ أنوثتها مشكوك فيها، في عام 2013 استهلك البريطانيون مسكنات بمليارين ونصف المليار دولار، وخلال عام 2016 الحالي من المتوقع أن تدر تجارة المسكنات على منتجيها سبعة مليارات دولار.
هذا في حد ذاته دليل على عدم جدوى تلك المسكنات، فمهما تناولت منها فإنّ حاجتك إليها لا تنتهي أو تزول، بل يزداد استهلاك الناس لها، وهكذا فهناك ملايين الناس يدمنون المسكنات، وهكذا أيضا وبدلا من أن يستنتجوا أنها محدودة ووقتية التأثير، فإنهم يزيدون العيار/الجرعة، وينتقلون من صنف متداول على نطاق واسع إلى صنف «جديد وحديد»، وفي حالات كثيرة تكون المسكنات سببا في أوجاع الرأس وليس علاجا لها.
في علم الطب يتحدثون عن إدمان خفيف يسمونه الاعتياد habituation وهناك الإدمان المزمن المستفحل addiction.. اعتبارا من العام الماضي منعت أستراليا بيع المسكنات التي تحوي مادة الكودايين من دون وصفة من طبيب، فكثير من المسكنات تحتوي على الكودايين أو ابن عمه الديهايدروكودايين (وهو اسم يخرِّع ويسبب تلبك الأمعاء) إلى جانب عناصر أخرى مثل الإسبرين والبارسيتيمول والآيبوبروفين، وفي عددها لشهر مارس الماضي نشرت مجلة أستراليا الطبية (ميديكال جيرنل أوف أستراليا) نتائج بحث قام به أطباء مستشفى أنغليس في ملبورن جاء فيه أن من يتعاطون عقار نوروفين بلاس (مشبع بالكودايين) يعانون من تقرحات وثقوب في المعدة، وتناول كميات كبيرة من الكودايين نتائجه مثل إدمان النيكوتين والكحول، يعني تدخل في حلقة «داوني بالتي كانت هي الداء» الجهنمية، بمعنى أن من يكثر من تعاطي الكودايين يصبح جسمه محتاجا للكودايين فيصبح الدواء داء (كثير من مشروبات النشاط تحتوي على كودايين بكميات تجارية ويشربها ثم يدمنها رياضيون).
في بريطانيا طالب الدكتور سايمون نلسون من مستشفى مانشستر بتقييد توصيف وبيع المسكنات الحاوية للكودايين بعد أن سببت فشلا كلويا أدى إلى وفاة مريضة في الأربعين من العمر بلغ بها الإدمان أنها كانت تتعاطى يوميا ما بين 50 إلى 64 قرصا من نوروفين بلاس. يا جماعة الخير 64 قرص شوكولاتة أو فلافل تسبب فشل الكلى والكبد والرئة فما بالك بالكودايين! وبعد أن توفي رجل اسمه ستيوارت وارتن بعد تناوله 12 قرصا من ذلك العقار خلال عشر ساعات و«أعطاها» بضعة كؤوس من الخمر.
يزعم الخواجات أنهم يفهمون في كل شيء أكثر منا نحن أبناء العالم السفلي المسمى تأدبا “العالم الثالث”، ولكنهم أكثر شعوب الأرض تعاطيا للمخدرات والمسكرات ويفسر هذا ارتفاع جرائم العنف عندهم، وحتى في مجال الاستهلاك العشوائي والاعتباطي للدواء فإنهم «أزفت منا»، في العام الفائت وحده باعت شركة وايث التي تنتج المسكن المعروف أنادين 37 مليون علبة في بريطانيا، وكي أعطيك فكرة عن حجم هذه المبيعات تخيل تلك الـ 37 مليون علبة مرصوصة فوق بعضها البعض، سيكون ارتفاعها مساويا لارتفاع (28 كيلومتر) جبل ايفرست مضروبا في 56!!!! أخطر ما في أمر المسكنات أن الناس تصدق شهادات بعضهم البعض عنها: والله يا زول لقيت دوا اسمه ساكسفون تاخد منه حبتين بعدها ما تحس براسك حتى لو طقّوه بفاس.. فيأتي الرد: يا زلمى بلا ساكسفون بلا بطيخ.. والله بفرنسا حصلت دوا صداع اسمه غيتانا – لا استغفر الله هادا سجائر – اسمه.. اسمه بلاسيبو.. يجنن.. تاخد حبة واحدة.. ولو تحاربوا الأمريكان وطالبان حواليك ما بتحس بشيء! وهكذا يصبح توصيف الأدوية فولكلورا يتناقله الناس شفاهة.