الطاهر ساتي

أُم فتفت


:: ومن أمثال أهل الشام.. كان لرجل كسول أبناء وبنات، وكان من كسله لا يستطيع ان يطعمهم بغير ( الفول).. وكان الأبناء يتذمرون دائما من أكل الفول يومياً وفي كل الوجبات..فابتكر حيلة بارعة، وهي ان يحكي لاولاده حكاية جديدة ومثيرة كلما جلسوا حول صحن الفول، وبهذه الطريقة يشغلهم بما يسمعون عما يأكلون .. ولكن في ذات وجبة، لم يسرد الحكاية، بل وعدهم برحلة صيد ليصطاد لهم كل أنواع الأسماك، ثم شرع يحدثهم عن أنواع الأسماك وفوائد الأسماك و..و..حتى شبعوا فولاً وهم يسمعون.. فصار الحدث مثلاً : أكلنا سمك حتى شبعنا فول ..!!
:: وهذا حالنا مع وزارة المالية والسادة بوزارة وشركة الكهرباء ..منذ صيف العام 2009، وإلى صيف هذا العام، ما أن تحدث أزمة توليد في محطات الكهرباء بحيث لاتكفي حاجة البيوت، وناهيكم عن المصانع والمزارع، إلا ويأتون ببعض الصينين ثم يجتمعون معهم ثم يعدون الناس بإنشاء أول محطة للطاقة النووية في البلاد، أو كما قال خبر البارحة .. والمدهش أن هذا الخبر كان رئيسياً بكل صحف البارحة، ولو كان فينا حصيفاً لوضعه في صفحة ( من الإرشيف)..!!
:: نعم، هذه ليست المرة الأولى التي تعدنا فيها المالية بانشاء محطة نووية لأغراض الكهرباء، ولا المرة الثانية، ولا.. بل، منذ العام 2009، تعدنا السلطات وهيئة الطاقة بهذا (السمك) في ذات اللحظة التي نأكل فيها (البوش)، فيشغلنا الوعد بالسمك عما نأكل (البوش).. وعلى سبيل المثال، إقرأ هذا.. (أكدت هيئة الطاقة الذرية السودانية بأن مشروع المفاعل النووي سيسهم إسهاماً فاعلاً في حل مشكلة البطالة والحد من ارتفاع معدلاتها وإقامة مشاريع تساعد على تدريب الكوادر بالداخل في كافة التخصصات، بالإضافة إلى مشاريع النهضة الزراعية والأمن الغذائي وإنتاج الكهرباء)، بروفيسور محمد أحمد حسن، مدير الهيئة، بتاريخ 23 يوليو 2010..!!
:: ولكن الأغرب، أن الوعود السابقة كانت أكثر عمقاً من وعد البارحة .. إذ قالت هيئة الطاقة في ذات وعد – من وعود الأعوام السابقة – بالنص : ( مشروع المفاعل النووي يستوعب عدد (6,940) ألف عامل الأمر الذي يساعد في الحد من مشكلة العطالة).. تأملوا دقة الرقم (6.940)، وما فيه من (كسور وبواقي)، إذ يذهب بك الظن – من وحي هذا الرقم – بأن السادة أسسوا ودشنوا المحطة النووية (سراً).. وعد اليوم غير عميق وخال من مثل هذه الأرقام (الدقيقة جداً)، فالسادة بحاجة إلى ساسة يتقنون ( فنون الوعد)، بحيث لا تركز العقول في الواقع (المظلم و الحار)..!!
:: على كل.. من الحقائق التي يجب على الحكومة مواجهة الناس بها، هي أن هيئة الكهرباء جاءت بشركة بريطانية – في العام 2002- لوضع خطة شاملة تنهي أزمة الكهرباء في البلاد.. وبعد خمس سنوات من الدراسة والتجوال في طول البلاد وعرضها، أي في العام 2007، أكملت الشركة دراستها.. وهي الخطة العلمية والمهنية الوحيدة التي تستوعب الطلب الكلي على الكهرباء لجميع القطاعات الصناعية، التجارية، الزراعية والسكنية حتى (العام 2030)، وهو العام المتوقع فيه بلوغ عدد سكان السودان ( 60 مليون نسمة).. وتقدر هذه الخطة الإستراتيجية – لحل أزمة الكهرباء جذرياً – الطاقة الكلية بـ(23078 ميقاواط)، وبتكلفة قدرها (15،71 مليار دولار)، وكل المصادر مائية وحرارية .. أما النووية التي يتكرر ذكرها – في مثل هذا الموسم من كل عام – فما هي إلا محض وعد بالأسماك لحين نشبع من ( أم فتفت )..!!