منوعات

بلا طعام لعامين وتضرب أربعاً بطرفة عين .. قوة الثعابين تحيّر العقول


يمكن لـ”أفعى الجرس الغربية” أن تبقى بلا طعام لمدة عامين، وحين ينقضّ ثعبان على فريسته، فإنه يتحرك بسرعة هائلة، حتى إنه قد يضربها برأسه أربع مرات، في طرفة عين. في حين أنه إذا تحرك الإنسان بهذه السرعة سيخرّ فاقداً وعيه.

وفي تقرير علمي عن قوة الثعابين الهائلة بموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، يتحدث عن “أفعى الجرس الغربية” ذات الظهر الماسي الشكل، التي تظل مختبئة عن طريق تغيير لونها ليتماهى تارة مع لون الصحراء وتارة مع المروج الخضراء المنتشرة في جنوبي كاليفورنيا، من أكثر الحيوانات الضارية صبراً في العالم.

بلا طعام

وتعيش هذه الأفاعي أغلب حياتها بمفردها، تتوارى عن الأنظار، وتتحيّن الفرصة لالتهام فريستها القادمة. وقد يطول انتظارها، وإن اقتضت الضرورة، قد تظل بلا طعام لمدة سنتين، ولكن إذا سنحت لها الفرصة، تغدو من بين آكلات اللحوم الأكثر فتكاً وضراوة على وجه الأرض.

سرعة تفوق الإدراك

ولا يكمن سلاح هذه الأفعى، كشأن سائر الأفاعي والثعابين، في حجمها، ولا في قوتها، ولكن في سرعتها.

فبحسب بحث نُشر في مارس 2016، يستغرق انقضاض الأفعى على فريستها، في المتوسط، ما بين 44 و70 ميللي ثانية. ولتوضيح الصورة أكثر، فإن طرفة عين البشر تستغرق نحو 200 ملليثانية.

وهذا يعني أنه في أثناء انطباق الجفنين وانفتاحهما، تستطيع الأفعى الأكثر شراسة أن تهجم نظرياً على الفريسة أربع مرات.

وتكاد سرعة هذه الأفاعي تفوق التصوّر والإدراك، وهذا يعني أن قدرة الأفاعي على الانقضاض على فريستها أفضل بمراحل من قدرتنا على تحريك أي جزء من أجسامنا.

بل في واقع الأمر، إذا تحركنا بهذا المعدل من السرعة التي تتحرك بها الأفاعي، ربما نفقد الوعي.

لا نجاة منها

يقول ديفيد بينينغ، من جامعة لويزيانا، في لافاييت: “في الغالب، ما من سبيل أمام الفريسة للنجاة في معظم المواجهات”. وقد قضى بينينغ شهوراً في مراقبة تلك الأفاعي ذات الجرس، وكذلك مجموعة من الأفاعي السامة والأفاعي غير المؤذية، بالاستعانة بكاميرا عالية الجودة تساعد في تقدير سرعة الحركة.

وأضاف بينينغ: “نحن نتحدث عن حيوانات تباغت فرسيتها بالهجوم قبل أن تنتبه الفرسية وتدرك أنها تتعرض للهجوم”.

إن أفعى الجرس ليست الوحيدة التي تتمتع بالقدرة على التحرك بهذه السرعة. فمن بين أنواع الثعابين التي قُدِر عددها بنحو 3 آلاف و500 نوع على وجه الأرض، من أصغر الحيّات إلى أكبر الأصلات، لم يخضع إلا عدد قليل جداً منها للدراسة.

عضلات الشريط المطاطي

ولكن أظهر الكثير من الأنواع، التي خضعت للبحث والدراسة حتى الآن، قدرة على التحرك بهذه السرعات المتزايدة التي تأسر العقول.

وهذا يرجع إلى التركيب الفسيولوجي الفريد للثعابين، الذي تطور وتحسّن بهذه الصورة الرائعة على مدار ملايين الأعوام.

والسبب الرئيسي في ذلك أن الثعابين لديها الكثير من العضلات. فبينما يشتمل جسم الإنسان على ما بين 700 و800 عضلة، فإن الثعابين، حتى الصغيرة منها، التي لا يزيد حجمها عن حجم العملة المعدنية، لديها ما بين 10 آلاف و15 ألف عضلة.

ولا نعرف بعد كيف تستغل الثعابين عضلاتها لتنطلق كالسهم، بهذا الشكل. فيعتقد البعض أن كل هذه العوامل لها علاقة ببعضها، فهي تجمع طاقتها من أجل الانقضاض، ثم ما تلبث أن تثب في حركة مرنة واحدة، مثل حركة الشريط المطاطي.

الحية وقائد الطائرة

ولكن ثمة جانب من هجمات الثعابين يبعث على الحيرة أكثر من غيره، وهو أن قدرة الثعابين على الهجوم في هذا الوقت القصير للغاية، تعني أنها يمكنها تحمُل قوى استثنائية تتولد على أجسامها، علماً بأن هذه القوى تشلّ حركة أي حيوان آخر كلياً.

فقد توصل “بينينغ” إلى أن الثعابين تتحمل قوى تصل إلى “30 ج” (حيث يمثل الرمز جي قوة الجاذبية)، أي ما يعادل 30 مرة قوة الجاذبية، عندما تتجه مسرعة صوب فريستها، وعلى النقيض من هذا، فإن الطيارين المقاتلين المدربين على أعلى مستوى من الكفاءة يفقدون السيطرة على أطرافهم عند قوة “8 ج”، إذا زادت سرعة الطائرة بقوة، يندفع الدم نحو قدمي الطيار، مما يحول دول وصول الأكسجين، اللازم للبقاء على قيد الحياة، إلى الدماغ. وإذا حدث ذلك بسرعة كبيرة، فلن يعود الدم إلى الدماغ بالسرعة الكافية، وحينئذ يفقد الطيار الوعي.

جمجمة الثعبان

أما الثعابين فيمكنها التحايل على ذلك، ولا تفقد السيطرة قطّ، وقد يرجع هذا، إلى حدّ ما، إلى بنية جمجمتها.

يقول “بينينغ”: “إن جمجمة الثعبان متحركة ومرنة بشكل لا يصدق. وتوجد لديها مفاصل مختلفة كثيرة للغاية، تُمكّنها من مطّ جسمها والتحرك بخفة. فربما إذا لمس الأرض جزء من جسدها قبل سائر الجسد، فإنه يمتص جزءاً قليلاً من الصدمة قبل أن تنتقل إلى جزء آخر، حتى يمتص الثعبان الصدمة الناتجة عن الهجوم المباغت بسهولة كبيرة، ومن ثم فلا ترتج دماغه على إثر الصدمة”.

تطوير السيارات من حركة الأفعى

ويسعى العلماء جاهدين حالياً لفهم رد فعل الهيكل العظمي للأفعى وجهازها العصبي في هذه الظروف القصوى، بغية الاستعانة بهذه المعلومات في توفير أوضاع أكثر أمناً لنا في حالة تعرُّض أجسامنا لقوى هائلة.

إن فكرة استلهام تصميم مركبات أكثر أمناً يمكنها أن توفر لنا الحماية من الصدمة الناتجة عن الارتطام، من طريقة الأفعى في الانقضاض، ربما تبدو فكرة سخيفة وغير معقولة. ولكن الواقع أقرب مما تظن.

ويتابع: “فالسؤال إذن، ما هي القدرة التي تتميز بها الثعابين والأفاعي حتى تتمكن من تحمُّل هذه الصدمة بسهولة نسبياً، وهل يمكننا أن نستغل هذه القدرة لصالحنا في المستقبل؟”

صحيفة سبق