تحقيقات وتقارير

انخفاض الدولار .. خطوات متعثرة


بدأت الدولة ممثلة في وزارة المالية، باتخاذ إجراءات للسيطرة على سعر الصرف عبر القائمة السوداء للسلع، ثم تحرير جزئي لسعر الصرف ورفع الجمارك ودفعها بالدولار للسلع الكمالية، وحظر سفر المسؤولين. حيث أكدت أنها ستعلن عن حوافز لجذب مدخرات المغترب وتشجيع المغتربين. وأشارت في تصريحات صحفية، إلى أن حل الأزمة الاقتصادية مرهون بزيادة الإنتاج ورفع قيمة الصادرات من أجل حسم مشكلة انفلات سعر الصرف بالبلاد. «الإنتباهة» أجرت استطلاعاً موسعاً مع عدد من المختصين لمعرفة الى أي مدى يمكن تنفيذ تلك الإجراءات في ظل تصاعد الأسعار وضعف صادرات البلاد، وفي وظل تزايد وتيرة الاحتياجات العالية من السلع المستوردة الضرورية منها والكمالية حتى فاقت حجم صادراتنا، وأصبح هنالك عجز مزمن ومتزايد في الميزان التجاري. وإليكم التفاصيل عبر هذا الاستطلاع: سد الفجوة يرى مراقبون للوضع الاقتصادي، أن معظم البنوك المركزية تحتفظ باحتياطيات كبيرة من الدولارات لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة، لتمويل ودعم اقتصادياتها وخططها التنموية والاجتماعية، وبذلك يستولي الدولار على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم و«80%» من معاملات سعر الصرف الأجنبي، في الوقت الذي يتم دفع أكثر من «50 %» من صادرات العالم بالدولار. وبالتالي فإن أي تذبذب واضطراب في سعر الدولار يؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات على المستوى العالمي والمحلي. ومؤخراً ارتفع سعر الدولار في السوق الموازي، وزادت الفجوة في النقد الأجنبي نتيجة لعدم وجود بدائل سريعة تسد الفجوة، وهذا التذبذب في أسعار الصرف أدى إلى ارتفاع معظم أسعار السلع الأساسية في الأسواق. سياسات مكبلة وفي ذات الاتجاه، رهن رئيس اتحاد أصحاب العمل سعود البرير، نجاح البرنامج الخماسي بزيادة الإنتاج وتشجيع وتحفيز الصادر ليسهم بصورة كبيرة في تحقيق الاستقرار لسعر الصرف بعد تدهور قيمة العملة الوطنية بصورة متسارعة، مشيراً إلى ان المعالجات الحالية لم تسهم في إيقاف حدة الارتفاع التي ظل يشهدها سعر الدولار في مستوياته دون آثار إيجابية لسياسات الودائع أو غيرها ذات التكلفة العالية. مؤكداً أن الحل لمعالجة معضلة الدولار تكمن في تشجيع وتحفيز الإنتاج الزراعي والصناعي وتحريره من القيود والسياسات المكبلة له، محذرًا البرير في تصريح صحفي أمس، من مآلات الفشل التي صاحبت البرنامج الثلاثي من ان تصيب البرنامج الخماسي للإصلاح الاقتصادي الذي تتباه الدولة، داعياً الى أهمية التدارك العاجل لتصحيح مسار سياسات البرنامج والذي وصفه بالطموح لإعادة التوازن في الاقتصاد الوطني والخروج من المأزق الذي يواجهه، مشدداً على أهمية متابعة مراحل التنفيذ وفق البرنامج المحدد بطريقة سليمة وتفادي البطء الذي ظل ملازماً لتنفيذه. مشيرًا إلى أهمية تكوين لجنة على مستوى الدولة بتمثيل القطاع الخاص لإدارة ملف البرنامج الخماسي، باعتبار القطاع هو المعني بتنفيذ البرنامج الخماسي، والذي يعطي بنهايته قيادة النشاط الاقتصادي بنسبة «82 %»، وقال: يجب توجيه كل الإمكانيات والموارد المتاحة في مجال تمويل قطاعات الإنتاج التي يستهدفها البرنامج في القطاع الزراعي والصناعي، الأمر الذي يتطلب وضع سياسات داعمة ومشجعة للعملية الإنتاجية وتحفيز وتشجيع الصادر. خطة عاجلة فيما قال رئيس غرفة المستوردين د. سمير أحمد قاسم: نؤيد هذه الإجراءات ونعتبرها خطوة في الاتجاه السليم، خاصة وأننا طالبنا بها في الفترات السابقة، ولكنه رهن ذلك بالاتفاق مع المغتربين لتحويل مدخراتهم عبر القنوات الرسمية. وقال في حديثه لـ«الإنتباهة» أمس، ربما ذلك يأخذ وقتاً طويلاً بجانب أهمية الوصول إلى اتفاق مع المعدنين لبيع الذهب بسعر مجزٍ لجهة أن معظمه يهرب، وفي حال إحكام السيطرة عليه، فإنه يساعد على استقرار سعر الصرف وانخفاض معدلات التضخم، مطالباً بوضع خطة عاجلة لإنقاذ الاقتصاد عبر زيادة الإنتاج والإنتاجية وتشجيع المصدرين، بجانب الزراعة والصناعة التحويلية، وأن تتم معالجات للثروة الحيوانية، بإنشاء سلخانات ومدابغ لتصنيع الجلود، وأن تكون لصادرات اللحوم الجزء الأكبر مصنعاً لتحقيق القيمة المضافة. آمال عريضة فيما قال الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة النيلين بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب، في الحقيقة أن ما صرحت به وزارة المالية يعتبر آمالاً عريضة ولكنها مستحيلة التحقيق. وزاد: إذا طرح هذا السؤال على عالم سيكون رده خارج المقرر، ولا يمكن تحقيق ذلك، لأن خفض سعر الدولار يعتمد على عوامل كثيرة وعديدة، أجملها في أن يكون هنالك فائض اقتصادي وصادر خارج البلاد. وزاد إن البلاد في وضعها الحالي لا تنتج بما يكفي الاستهلاك المحلي، وإذا كان هنالك فائض من الصعوبة أن نصدر بسبب عوائق التجارة الخارجية التي تعتمد على اعتمادات مستندية بين البنوك الوطنية والعالمية، وللأسف الحصار الاقتصادي يحد من ذلك، إضافة إلى ذلك العوامل المؤثرة على سعر الصرف إلى سلعة تخضع للعرض والطلب وعرض الدولار ضعيف، وبالتالي أصبح العرض شحيحاً ولا يمكن الاستجابة بواسطة ضخ الدولارات في الأسواق، ولهذا ستتفاقم الأزمة في زيادة الطلب على الدولار. وتوقع بوب في حديثه لـ«الإنتباهة» زيادة ارتفاع أسعار الدولار ولا يمكن كبح هذا الجماح إلا بتغييرات هيكلية في النظم الاقتصادية للدولة. سياسات جريئة ويرى المحلل الاقتصادي د. عادل عبد العزيز، أن السياسات التي شرعت فيها وزارة المالية مؤخرًا، أنها تسير في الاتجاه الصحيح، إذ أن الكثير من الاقتصاديين طالبوا بتقليل تكلفة الاستيراد عن طريق تحديد السلع التي يتم استيرادها، ومنع استيراد بعض السلع الكمالية، وهذا سبب ندرة العملات الأجنبية. وأردف: دائماً ما نتحدث عن أهمية جذب مدخرات المغتربين، وأهمية تعميق هذه السياسات، وان تكون جريئة في سعر الصرف لجهة أن مدخرات المغتربين يعتبر العامل الأساس لاجتذابها للنظام المصرفي، هو سعر الصرف. وقال حال لم يتم تحقيق ذلك، ستظل هذه الأموال التي يقدرها البعض ما بين «4ــ 5» مليارات دولار سنوياً، ستظل خارج النظام المصرفي، وبالتالي سنستمر في تمويل السلع غير الأساسية، الأمر الذي يفاقم الفجوة في ميزان المدفوعات. ارتفاع مستمر وفي السياق ذاته، قال الخبير المصرفي د. عبد الله الرمادي، إن ظاهرة تصاعد أسعار الدولار والوضع المتدني بالنسبة للعملة الوطنية تصاعدًا مما جعل أسعار العملات الأجنبية متمثلة في الدولار في حالة ارتفاع مستمر، وهذا يؤثر على العملات الأخرى لارتباطها بالدولار، وهذا سببه إفرازات السياسات النقدية والمالية الخاطئة. وعزا الأسباب إلى ضعف قدرة الاقتصاد على توفير حصيلة من العملات الأجنبية ليسد بها حاجته من الاستيراد بمعنى «أن قدرتنا على الإنتاج ضعيفة»، بجانب ضعف الصادرات السودانية، وبالتالي قيمة الاقتصاد من العملات الأجنبية مقابل تزايد وتيرة الاحتياجات العالية من السلع المستوردة الضرورية منها والكمالية، حتى فاقت حجم صادراتنا، وأصبح هنالك عجز مزمن ومتزايد في الميزان التجاري، الأمر الذي أدى إلى عدم توفر العملات الأجنبية لدى البنك المركزي وفتح المجال واسعاً أمام المضاربين في سوق العملات وقويت شوكتهم أمام ضعف قدرات البنك المركزي لدرجة جعلتهم يتحكمون في أسعار الدولار من خلال مضارباتهم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب. وقال الرمادي في حديثه لـ«الإنتباهة» إن الوضع أصبح مختلاً، والعلاج الجذري له أهمية بالتركيز على تحريك القطاعات الكامنة في الاقتصاد، وزيادة الإنتاج والإنتاجية لدفع الصادرات سيما زيادة حصيلة البلاد من العملات الأجنبية، الأمر الذي يتطلب بعض الوقت، قائلاً: هنالك إجراءات فورية يجب أن تتخذها الحكومة للحد من الطلب على الدولار، منها وقف الاستيراد خاصة السلع غير الضرورية، مطالباً وزارة المالية بضرورة إيقاف استيراد الأثاثات والعربات «عربات الصالون وذات الدفع الرباعي» لمدة عامين قابلة للزيادة، بجانب وقف شراء الجهات الحكومية لهذه السلع أعلاه مهما كانت الأسباب. وأيضاً هنالك سلع يمكن الحد منها ووقف استيرادها كاملاً بفرض رسوم جمركية باهظة منها الحلويات والشكولاتة ومستحضرات التجميل، ويمكن أن يستغني منها الاقتصاد لفترة زمنية معينة مع العمل بصورة جادة على دعم القدرات الإنتاجية للاقتصاد وتسيير عمليات الإنتاج وتوفير التمويل اللازم لها والمراقبة الدقيقة لوقف التهريب بصورة قاطعة خاصة «سلعة الصمغ العربي والسمسم والذهب»، ودمغ بالقول إن تهريب الذهب سنوياً يفوق الـ «2» مليار دولار، وقال إذا أحكمت تلك الضوابط سيتحقق ضغط كبير على سلعة الدولار، وبالتالي نتوقع إن تنخفض قيمته. غير حقيقي فيما وصف تجار بالسوق الموازي، تصريحات المسؤولين بالدولة بشأن سعر الدولار بأنها تربك التجار مما يؤدي الى احتكارهم لسلعة الدولار مما يزيد الطلب من قبل التجار. وقالوا هذا طلب غير حقيقي لأن التجار عند سماعهم خبراً عن ضبط السوق الموازي يقوم البعض منهم باحتكارها وإخفائها. وأضافوا: قبل هذه التصريحات شهدت أسعار الدولار تراجعاً طفيفا وانخفض قليلا مقابل الجنيه ولكن بخطوات متعثرةً، وسرعان ما عاود الارتفاع من «13.200» إلى «13.700» جنيه عقب التصريحات الأخيرة. وقالوا هنالك ارتفاع طفيف خلال اليوم بواقع «13.920» جنيهاً ونتوقع ان يرتفع خلال الأسبوع إلى «14» جنيهاً. الصرافات: قرار المالية ضجيج بلا طحين وكشف مصدر لـ«الانتباهة» أن البنك المركزي يقوم بضخ مبالغ كبيرة لدى الصرافات الآلية أو الصرافات لتغطية احتياجات المواطنين لأغراضهم المختلفة. وفي رده على اتهام الصرافات بضخ كميات كبيرة من العملة للسوق الموازي، يقول إنه الاتهام حقيقي وإن بعضا من الصرافات تقوم بضخ كمية من الدولارات في السوق الموازي. ووصف قرارات وزارة المالية بأنها “ضجيج بلا طحين”، وأي تصريح لها يعكس نتائج سالبة في سوق العملات ما يضطر بعض التجار لاحتكار العملة، بجانب أن هنالك تخبطا في السياسات، لأن كبح جماح الاسعار لا يكون إلا بالانتاج وزيادة الصادر، وما يحدث الآن هو صرف حكومي بذخي ليس إلا، خاصة أن الاسعار في تزايد مستمر، وزاد أن استقرار سعر الصرف مرهون بكبح جماح السلع غير الاساسية.

الانتباهة