الطاهر ساتي

حق الإيجار


:: يوم أمس، بوادي حلفا، حيث الميناء والأسواق و الناس والحياة، يلتهم الحريق إحدى حظائر الجمارك ويقضي على أكثر من خمسين عربة..وعندما تعجز عربة المطافئ – الوحيدة بالمدينة – عن إخماد الحريق، تستنجد السلطات المحلية بسلطات الحدود المصرية وشرطتها التي تنقذ ما تبقى من العربات بعربات مطافئ قسطل التي تبعد عن وادي حلفا ( 29 كلم)..ومن شر البلية، تستجوب السلطات السودانية الشرطة المصرية عند عودتها إلى بلادها بعد إطفاء الحريق : ( إنتو دخلتو كيف؟)..وليتهم ردوا بما يقول : أدخلنا عجزكم ..!!
:: وأول أمس، بالخرطوم، تحت قبة البرلمان، يبلغ حال هذا العجز لحد إعلان وزير الأوقاف والإرشاد بأن الإمارات هي التي تدفع قيمة إيجار مقر الوزارة ..قيمة الإيجار ( 23.000 دولار، شهرياً)، هي التي شغلت الناس والصحف، وليست الجهة الدافعة لهذه القيمة غير المنطقية..فالوزارة سودانية، ويجب تُكمل ما تُعرف بسيادة الدولة السودانية وإستقلالية أجهزتها، ومع ذلك لا يتحفظ وزيرها – ولايستحي – عن ( مد القرعة)، لدولة أجنبية، وتسألها عن ( حق الإيجار)..لو تحلى سادة الوزارة بكرامة أهل السودان وعزة نفسهم، لإتخذوا منازلهم مكاتباً للوزارة لحين توفير المكاتب، بدلاً عن هذه ( المرمطة) التي يدفع ثمنها الوطن والمواطن ..!!
:: ثم لوزارة الأوقاف مبان وقفية، تستأجرها المشافي الخاصة والمتاجر الخاصة بأرخص الأثمان وأوضعها، ومع ذلك لم تحدثهم أنفسهم بتخصيص وقف من تلك الأوقاف بحيث يكون مقرها المؤقت وبالقيمة السودانية المتعارف عليها في أوساط سادة و (سماسرة الأوقاف)، أي إيجار المثل .. ثم أن المباني الحكومية غير المستغلة – أو المستغلة في غير ذات الجدوى – لا تعد ولاتحصى بالخرطوم، ومع ذلك لم تحدثهم أنفسهم بإستغلال مبنى أو بعض المباني مؤقتاً أو دائماً بحيث يكونوا قد وفروا بعض المال لصالح اليتامى والأرامل وما تبقى من الشعب المصطلي بنار الحرب والفساد و الفقر والنزوح ..!!
:: تركوا كل هذه الأبواب المشروعة، وطرقوا باباً آخر من أبواب ( الشحدة).. كيف تستوعب العقول السوية مشهداً فيه وزير دولة يسأل وزير دولة أخرى ( حق الإيجار)، لمقر وزارته ومكتبه؟..وبالمناسبة، إن كانت الإمارات تدفع قيمة إيجار مقر الوزارة؟، فمن تدفع ميزانية البند الأول لهذا الوزير وكادره؟، ومن تدفع النثريات والحوافز وتذاكر السفر؟..نأمل أن تكون وزارة المالية السودانية، وليست الإمارات أو قطر .. إن كان من يسأل الناس بلا حاجة يلقى الله يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، فأن أمثال هؤلاء – الذين يمثلون ببلادهم ويهدرون كرامة شعبهم – صاروا في الحياة ( بلا وجوه )..!!
:: وعقد الإيجار، بطرفنا صورة، محض ورقة عليها ترويسة الوزارة، وتوقيع وكيل الوزارة حامد يوسف (الطرف الأول)، ومالك العقار عثمان الصادق عبد الله أحمد (الطرف الثاني)، والمستشار القانوني طارق عوض.. (23.000 دولار)، شهرياً، مع دفع إيجار العام (مقدما)، لمدة ثلاث سنوات، وهي فترة الإيجار، وليست ثلاثة أشهر كما قال الوزير لنواب البرلمان..ونسأل، أين ومتى وكيف تم طرح عطاء هذا التعاقد؟..وهل تم تعديل القانون – بلا علم الناس والصحف والبرلمان – بحيث تحل العملة الأجنبية محل العملة الوطنية في مثل هذه التعاقدات؟..ولماذا لم يتم توثيق هذا العقد المعيب – نصاً وروحا – ومراجعته في إدارة العقودات بوزارة العدل، كما ينص القانون؟..ثم السؤال المهم، أين كانت – ولاتزال – تصرف مليارات رسوم الحج والعمرة بحيث نبدو أمام العالم بهذا الحال العاجز حتى عن إطفاء حريق و توفير ( حق الإيجار)..؟؟