تحقيقات وتقارير

مؤتمر الشريعة والاجتهاد.. الشريعة اكبر الشواهد على كمال علم الله وحكمته ولطفه بعباده


الشريعة الاسلامية مابنيت إلا على مصالح الانسان, فهى تسعى لتحصيل المصالح وتكميلها من جانب ودرء المفاسد وتعطيلها من جانب اخر , ثم أن أحكام الشريعة كلها معللة برعاية تلك المصالح الانسانية .
ولما اكمل الله تعالى للمسلمين الدين واتم عليهم النعمة فانه لم يغادر فى الشريعة مصلحة دنيوية ولا اخروية إلا ونبه عليها ولهذا كانت ولازالت الشريعة من اكبر الشواهد على كمال علم الله تعالى وحكمته وبره بعباده ولطفه بهم .

المؤتمر الثاتى للشريعة والاجتهاد الذى نظمه معهد اسلام المعرفة بجامعة الجزيرة بقاعة وزارة التعليم العالى خلال الفترة من 18 الى 20 مايو الجارى تحت شعار (تحديات تطبيق الشريعة واقامة الدين فى المجتمعات المعاصرة ) هدف خلال اعماله الى اظهار الرؤيا الكلية الشاملة لاقامة الدين وتطبيق الشريعة الاسلامية بازاء المنظورات الجزئية والاسهام فى تصحيح المفاهيم حول اقامة الدين وصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان وعرض التجارب الواقعية لتطبيق الشريعة فى المجتمعات الاسلامية المعاصرة وتوظيف الرؤية الكلية فى توليد اطار تقويمى لتطبيق الشريعة الاسلامية واقامة الدين فى المجتمعات المعاصرة والتبصير بالتحديات والمعوقات التى يمكن ان تواجه التطبيق المعاصر للشريعة واقامة الدين واقتراح حلول لتجاوزها وذلك عبر محاور عديدة شهدتها أعمال المؤتمر .
بروفيسور محمد الحسن بريمة إبراهيم الباحث بمعهد اسلام المعرفة أبان خلال البحث الذى قدمه امام المؤتمر بعنوان (مفهوم إقامة الدين في القرآن الكريم: أبعاده الوجودية، والمعرفية، والمنهجية) ان الله تعالى خلق الكون كله , السماوات، والأرض، وما بينهما( ليبلو الناس أيهم أحسن عملا) لذلك فالكون مسخّر لحركة الإنسان الكونية. المثال الديني في القرآن الكريم، المطلوب إقامته في الواقع الاجتماعي الظرفي عبادة لله الواحد، هو ذاته الشريعة التي تعاقب بها الرسل من لدن نوح إلى محمد، صلوات الله، وسلامه عليهم أجمعين.
جعل الله تعالى لكل أمة من أمم الرسل شرعة (مقاصد ومنهاج) و(وسائل) لتحقيقها تراعي شروط الزمان والمكان للمجتمع الذي يقام فيه الدين
واضاف البوفسور ان للدين بعدان ضروريان، البعد الأول هو الحق الذي نزل به الوحي من عند الله تعالى، وهو علم الله، وهو المثال الذي يبين كيف يعبد الإنسان الله تعالى على الدوام، وعلى كل حال، محققا مغزى استخلافه في الأرض إلى قيام الساعة. وهذا المثال محفوظ من التحريف بحفظ الله تعالى له.
والبعد الثاني هو الواقع الاجتماعي المتعبد لله تعالى بالمثال الموحى، المتوحد مع ذلك المثال دون مفارقة، على مستوى الفرد والجماعة، وهو الدين الخالص لله تعالى، وهو الذي أقامه الرسول، صلى الله عليه وسلم، واستقام عليه ومن تاب معه
والواقع الاجتماعي هو بالضرورة واقع متغير على الدوام، وتمظهراته التي تتبدّى، زمانا ومكانا هي في حالة مد وجزر بلا انقطاع. وهذه المفارقة بين المثال الديني الكلي الثابت والواقع الاجتماعي الجزئي المتغير هي التي تبرر- بعد ختم الرسالات، والكتب السماوية – الاجتهاد المعرفي الدائم، صدورا عن المصادر الإسلامية للعلم , لإنتاج علم تجريبي يظل به الواقع الاجتماعي الإسلامي متوحدا، أو مشدودا أبدا إلى مثاله الموحى، في الزمان والمكان.
واضاف بروفيسور بريمة ان القضية الوجودية تتعلق بطبيعة القُوى، والعوامل الفاعلة، المتفاعلة، والمشكّلة لفضاء الاجتماع الإنساني المستهدف بإقامة الدين. وقد توصل البحث، مستخدما “نظرية” عن الاجتماع الإنساني مستنبطة من القرآن الكريم، أن تلك القُوى هي: الله تعالى؛ الوحي؛ المجتمع الإنساني بقاعدته المادية؛ الشيطان، الملائكة، الكون. اما الأبعاد المعرفية، والمنهجية فيقصد بها علوم الدين المطلوبة لإقامة الدين في الواقع الاجتماعي الظرفي، وكيف يمكن تحصيل هذه العلوم من فضاء الاجتماع الإنساني بعوامله المتفاعلة، التي أبرزتها رؤية القرآن لعالم الاجتماع الإنساني.
توصل البحث إلى أن علوم الدين، في معظمها، علوم كونية تجريبية،بعضها معياري، وبعضها تفسيري .
و خلص البحث أيضا إلى أنه لابد من التأسيس لعلوم توحيدية كونية تهيئ لإقامة الدين في امتداداته الكونية ، وتيسر للأمة الإسلامية إرتياد الفضاء، ومزاحمة من سبقوها على بصيرة.نحن في حاجة إلى توظيف أداة “النظرية” في التعامل مع القرآن الكريم لإنتاج نظريات كليّة ورؤية للعالم تجسّر المسافة بين الوحي كعلم كلي محيط، إلى قيام الساعة، بالتفاعلات الوجودية التي تحدث في فضاء الاجتماع الإنساني، وبين الواقع الاجتماعي الظرفي حيث يقام الدين، ثم الانتقال، عن طريق التنسيل، إلى نظريات أخص، تستهدف مجالا اجتماعيا بعينه، نستنبطها من النظريات الأعم، وهكذا إلى أن نصل إلى نظريات مقاربة للواقع الظرفي تسمح بتوليد فرضيات قابلة للاختبار التجريبي المباشر، تشكل اختبارا غير مباشر لصحة النظريات المستقاة من القرآن الكريم، وليس لصحة القرآن الكريم ذاته.
دكتور خالد حمدى عبد الكريم قاسم الاستاذ المشارك فى قسم الفقه واصوله كلية العلوم جامعة المدينة العالمية اكد خلال المؤتمر من خلال البحث الذى قدمه بعنوان (التجديد الفقهى واثره فى تطبيق الشريعة الاسلامية ) ان تحدى اعادة الشريعة الى الحكم مرة اخرى وقدرتها على مواكبة الحوداث المختلفة والمتجددة فى هذا العصر الحديث كان من أكبر التحديات .
واستدعى هذا الحديث موضوع تجديد الفقه الإسلامي الذي هو رأس هذه الشريعة وجسدها الحي النابض، وتباينت الآراء في مفهوم هذا التجديد المنشود ومجالاته المختلفة ,ووقف خلال أطروحته البحثية على ملامح هذا التجديد وبيان المفهوم الصحيح المعتبر لذلك مع بيان حاجة الشريعة الإسلامية إليه لعودة المسلمين إلى شريعتهم الحاكمة مرة أخرى لما فيها من قيم الحق والعدل والمساواة مشيرا الى ان اهم معوقات تطبيق الشريعة هي معوقات خارجية متمثلة في الشبهات المثارة حول تطبيق الشريعة الإسلامية، ومعوقات النظم الحاكمة متمثلة في ميول الحكام والساسة للقانون الوضعي ومعوقات داخلية خاصة بالفقهاء والعلماء متمثلة في أمرين هما الصياغة الفقهية المعقدة للشريعة فى كتب الفقه والجمود ودعاوى غلق باب الاجتهاد والتجديد فى الشريعة ومعوقات داخلية خاصة بعامة المسلمين متمثلة في: الجهل بهذة الشريعة من حيث الاحكام والمقاصد .
ومن اهم مجالات التجديد لاعادة الشريعة فى انظمة الحكم مجال العرض والدرس وربط الاحكام بعللها ومقاصدها وربط الفقه الاسلامى بالعلوم الاخرى والاجتهاد الجماعى فى النوازل المستجدة مع ضبط قواعد الفتوى لدى المؤسسات المختلفة وتركيز البحث الفقهى على المستجدات والنوازل الحادثة وبيان زيف البدع القائمة وتقنين الفقه الاسلامى .

تقرير – جارة الخير بابكر
الخرطوم 26- -5-2016م(سونا)