تحقيقات وتقارير

شركات الاتصالات.. البحث عن تقنية لمحاربة الاحتيال.. هواتف ورصيد


تُعدُّ شركات الاتصالات من أفضل المؤسسات في السودان والعالم من ناحية التطور التقني والتكنولوجي، فلا ريب أنها الأقرب إلى عملائها، كما أنها لا تستصعب عليهم تقديم الخدمات، وتسعى دائماً إلى أفضلها، المتمثل في سعيها إلى مواكبة الحداثة. وإن تأخرت شركاتنا بعض الشيء عن نظيراتها في العالم المتقدم، فهي – بلا شك – لها أجر محاولة المواكبة.
ولكنها بالمقارنة مع نظيراتها في دول العالم الثالث تعد من فضلياتها إن لم تكن أفضلها.. ذلك التطور والتقدم لم يكن إلا نتيجة لجهود القائمين على أمرها من خلال استجلاب أحدث الأجهزة في المجال، إلى جانب اختيار أكفأ العاملين من إداريين ومهندسين وغيرهم، وتدريبهم لإثراء خبراتهم بهدف التجويد والتطوير.. ونتيجة لذلك تعمل هذه الشركات بمنظومة يمكن وصفها بأنها متطورة جداً.. ولكن، ذلك التطور بقدر ما هو ملحوظ وواضح، كذلك هناك قصور ملحوظ يصاحبه، وهو أيضاً قد يكون واضحاً.

خدمة العملاء
شركات الاتصالات في العالم – كغيرها من المؤسسات الخدمية – تسعى دوماً لخدمة منسوبيها وعملائها وحمايتهم من أي اعتداء عليهم أو تغول دون وجه حق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشيء مرتبط بين العميل أو المنسوب من جانب والمؤسسة من جانب آخر.. فلا غرو أنها ستتصدى دفاعاً عن حقه، بل تحرص – مسبقاً – على أن لا يتعرض منسوبها إلى نوع من الخداع أو الاحتيال، لذا يأتي الدور الرقابي متقدماً على كل الأدوار، ثم دورها في الحد أو منع الاعتداء، الأمر الذي يرفع من مقدار الثقة بين العميل والشركة.

أدوار كبيرة
لا يمكننا إنكار أن هذه الشركات ساهمت بصورة أو بأخرى مع الأجهزة الأمنية في الكشف عن العديد من الجرائم المرتكبة، والكشف عن الجناة عن طريق تتبع المكالمات، أو الرسائل، وكذلك كشف العديد من حالات الاحتيال والسرقات الكبرى، ومعظم هذه الجرائم تتم بعيداً عنها – أي الشركات – ولكن في المقابل تتم سرقات وعمليات احتيال لصيقة بها – إن لم تكن عن طريقها.. وهذه الشركات بتطورها التقني ذلك لم يعييها كشف جرائم كبرى بل أعياها الكشف عن جرائم، تقع في دائرة واجباتها ومسؤولياتها.. وفي هذا الشأن تعرض الكثيرون لعمليات احتيال وسرقة لهواتف ورصيد.. ففي جانب الهواتف يمكن تتبع الرقم المتسلسل للهاتف، وبمجرد إدخال شريحة في الهاتف المسروق يمكن معرفة مكان وبيانات صاحب الشريحة، وليس في الأمر صعوبة، وقد تمكنت الأجهزة الأمنية من القبض على الكثيرين من معتادي سرقة وخطف الهواتف عن طريق التتبع، في حين فشلت في حالات أخرى، ولكن بعض دول العالم الثالث استحدثت في الأمر تقنياً.

تقنية حديثة
وبحسب صحيفة اليوم السابع، استضاف الإعلامي وائل الإبراشي في العام 2014 على قناة دريم 2، العميد حسني عبد العزيز، مدير إدارة مباحث الاتصالات، حيث كشف العميد أن مصر هي الدولة يوجد بها أنظمة توقف الهاتف المحمول عند سرقته من مواطنيها بعد تحرير محضر بالواقعة.. ولنسأل نحن بدورنا في السودان، ما المانع من إيجاد مثل هذه الأنظمة؟

حكاية مدهشة
أما سرقة الرصيد ففي الأمر عجب، والعديد من بائعي الرصيد يوردون حكايات لا يصدقها عقل عن سرقات واحتيال، فلنأخذ (يس الصديق) نموذجاً..
يس الصديق، تُخرَّج في كلية الآداب – جامعة الخرطوم، بعد بحثه المضني لسنوات عن وظيفة تكافئ مؤهله فشل، ولم يجد سوى السوق موئلاً، فيسَّر الله له (طبلية) جوار (عمارة السلام).. حسبها مصدر فرحه بعد أن اعتمدها بأمر من الله تعالى مصدراً لرزقه.. لم تمض أربعة أيام على تدشين العمل فيها إلا وأطل عليه الاحتيال في صورة إنسان.. جاءه رجل وطلب من تحويل مبلغ (10) جنيهات، لشخص آخر وبعد تحويل المبلغ اتصل الشخص المُحوَّل له الرصيد وسأله عن الرصيد، فأخبره أن شخصاً يقف بجانبه هو من طلب تحويله، وطلب منه التحدث معه وتحدثا معاً عبر الهاتف في وجود يس، وعقب المكالمة طلب منه الرجل الواقف جانبه تحويل (10) جنيهات أخرى وبعدها افتقد يس الرصيد الذي في هاتفه الذي تحدث به وهو مبلغ (800) فوجد أنه قد تحوَّل إلى رقم آخر، وعندما بحث عن الرجل وجده قد اختفى.. فما كان من يس إلا أن فتح بلاغاً بالقسم الشمالي الخرطوم، وذهب إلى شركة الاتصالات التي أفادته بأن المبلغ تم تحويله إلى رقم (…….) وصاحبه يوجد بمدينة نيالا – حي العرب، وفي زمن محدد وهو أثناء المكالمة.. باشرت الشرطة إجراءاتها وتتبعها حتى توصلت إلى صاحب الرقم وأصدرت أمر قبض للشخص.. ولنسأل شركات الاتصالات كيف تم تحويل المبلغ، ويس أقسم أن (غيَّر كود التحويل) ولا يعلمه أحد؟ أي أن الشخص لم يحوِّل الرصيد بالطريقة المعتادة.. بل تم سحب الرصيد، وكم شخص غير يس وقع ضحية لمثل هذه الطريق من الاحتيال؟

رسائل وهمية
رغم تطور شركات الاتصالات، إلا أنها فشلت في الحد من بيع الشرائح غير المسجل في الأسواق والطرقات، الأمر الذي فاقم من الظاهرة.. فهناك الرسائل الوهمية التي تُرسل من أرقام هواتف مضمونها أن صاحبها يطلب مساعدة، وأخرى تتحدث عن أن صاحبها أرسل (رصيد بالغلط) وعليك بكل أمانة ومروءة إرجاعه..
يس بدا فاقداً للعشم من إرجاع رصيده، بيد أنه بعث برسالة إلى شركات الاتصالات فحواها أن تعمل على مزيد من الضبط للشرائح والرصيد، وأسرار العملاء. ففي هذه الحادثة فقد (800) جنيه، وكم سيفقد هو أو غيره في المرات القادم – لا قدر الله؟ ورسالة أخرى بعثها إلى بائعي الرصيد بأن لا يتلقوا أي مكالمة، بل عليهم المزيد من الحذر.

الخرطوم – عصمت عبد الله
صحيفة اليوم التالي