تحقيقات وتقارير

تصريحات المسؤولين ..«الممطورة مابتبالي من الرش»


درجت العادة ما إن يخرح المسؤول من المنصب الذي يشغله, خاصة إذا كان الخروج بالاستغناء عنه واستبداله بشخصية جديدة, عندها يتحول إلى منصة الهجوم الكاسح على سياسات الحكومة وانتقادها بأقوى العبارات, على العكس عندما يكون في منظومتها ينصب نفسه للدفاع عن تلك السياسات ويحاولأ يجد المبررات للإخفاقات ..

بالأمس خرج خرج رئيس البرلمان السابق د. الفاتح عز الدين من صمته الطويل عقب ترجله من منصبه بحديث أشبه بالتحريض لثورة وشن هجوماً على الأوضاع الاقتصادية بالبلاد ووصفها بالحالة الاستثنائية وتستدعى (الكوراك والثورة), وقال : الحكومة لو استمرت 200سنة بنهجها الحالي لن تعالج الواقع الاقتصادي الذي نتحدث عنه بهدوء وكأن الأمور لاتقتضي النفرة وعلو الهمة.. وقبل ذلك سبق عز الدين في نقد السياسة الاقتصادية وزير المالية السابق للسياسات الاقتصادية التي وضعها بيده وغالباً ماكانت تصريحاته تثير جدلاً كثيفاً في الرأي العام اذ يعتبرها المراقبون مستفزة لمشاعر الشعب السوداني وهو كذلك أفطر بعد صيام طويل من التصريحات وكشف عن ما أسماه الفساد الممنهج لسعر الصرف وشراء الأسهم المالية.. هذه بعض النماذج وغيرها كثير, ولكن لماذا لايتعامل هؤلاء المسؤولون بتلك الشفافية ولايمارسون نقد الذات عندما يكونون في السلطة ؟

طبيعة البشر:
المحلل الساسي د. راشد التجاني حصر الأسباب في نقطتين جوهريتين, وقال في حديثه ل(آخر لحظة) طبيعة المناصب في الدول النامية فيها امتيازات كثيرة على خلاف الدول المتقدمة التي يكون فيها المنصب مثله مثل الوظائف الأخرى ولذلك يصعب على الشخص فقدان تلك الامتياوات بين يوم وليلة, ومن الطبيعي أن يقابل ذلك الأمر بقسوة ووسائل دفاعية والبحث عن أخطاء الآخرين ويمضي راشد بالقول: السلطة لها نشوتها ويصعب على الإنسان الابتعاد عنها وهذه طبيعة إنسانية والله ذكرها في القرآن:
‏ ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء.. ), ولا أحد يتنازل عن السلطة وحده.

خوف:
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزيرة د.وائل على مهدي قال إن تصريحات المسؤولين داخل السلطة تتنافى مع تصريحاتهم وهم خارجها وعندنا يكونون بالداخل يصارعون من أجل النظام و الدفاع عن سياساته, ولكن بعد المغادرة يكشرون عن أنيابهم ويرجعون للقواعد باعتبارهم ممثلين للشعب, وأثناء تواجد المسؤول بالمنصب يجاري السلطة ويخاف على منصبهو لذلك نجد أن غالبية تصريحاته إيجابية.

الأثر النفسي:
وحول الدواعي النفسية للخطوة للاستشاري الطب النفسي د. علي بلدو رؤية عميقة للأمر, ووصف السلطة في السودان بالمخدرات, تنطبق عليها كل أنواع مواصفات التخدير المعروفة مثل الشعور بعدم الراحة من عدم الحصول عليها إضافة إلى الشحتفة وحراق الروح عند الإقصاء من المناصب, بالإضافة للتنافس المحموم في ذلك بكل الطرق السلمية وغير السلمية فضلاً عن الشعور بعدم الراحة والانسحابية السلطوية التي ظلت تطال الكثير من المسؤولين بعد مغادرة المنصب, ويمضي بلدو في تشريحة للأمر ويقول الإدمان السلطوي لدى كثير من المسؤولين يصل إلى مرحلة تقبل مناصب أقل أو الدخول في مشاكل أكاديمية واجتماعية وقانونية بسبب السلطة, وهذا ما يمكن إدراجه تحت خصائص الإدمان الطبيعي وذهب إلى أكثر من ذلك وقال التخلي عن السلطة يؤدي إلى صعوبات في التأقلم والتكيف مع الظروف مما يتسبب في صعوبة التعامل مع الغير والشعور بالدونية والتهميش وزيادة في الغضب والانفعال والتوتر وعدم الرغبة في الاستمرار في الوضع الحالي مما يولد شحنات نفسية غاضبة أو إفشاء أسرار هامة أو التنكر لرفقاء السلطة والانضمام لتنظيمات معارضة.

الفشل:
ويتابع بلدو حديثه للصحيفة, وقال معظم السياسيين في السودان والمتنفذين فشلوا في امتحان السلطة, ويعود ذلك إلى عدم الإعداد النفسي والملائم للمناصب الحساسة وإعلاء قيم أخرى غير الكفاءة. وأشار بلدو إلى أن هناك مراحل يمر بها المسؤول عقب مغادرته المنصب تبدأ بمرحلة الإنكار وعدم قبول الإقصاء والرغبة في التمسك, تليها مرحلة الشعور باليأس والإحباط, ثم أخطر المراحل وهي الصدمة وعندها يقل التركيز في الأداء الذهني وتحصل اضطرابات في الوجدان تؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية تقود للوفاة.
وبين هذا الرأي وذاك يظل السؤال قائماً لماذا تأتي هذه الخطوة بعد المغادرة.

تقرير:ثناء عابدين
صحيفة آخر لحظة