تحقيقات وتقارير

رغم هيمنته على الساحة السياسية الوطني.. إقرار صريح بالفشل في استقطاب الشباب


على مدى تاريخ الممارسة السياسية والحزبية بالسودان، ولمعطيات متوارثة ظل الانتماء الحزبي محكوماً بما يمكن أن يقال عنه “ثوابت” ما، فالأحزاب تكتسب قواعدها في كثير من الأحيان بعملية تلقائية وربما متوارثة، في وقت يزعم فيه الحزب “الفلاني” أن تلك المنطقة أو المدينة منطقة مقفولة له، وتدين له جماهيرها بالولاء الأعمى، وتلك معطيات وعلى ما بها من غرابة فهي شواهد مبذولة لمن أراد الاستزادة بشأنها، وبالأخص تنطبق هذه القاعدة على الحزبين العتيدين “الأمة والاتحادي” اللذين تمتعا بنفوذ جماهيري في حقب ماضية من تاريخهما، وهو نفوذ يأتي هكذا وبلا استقطاب أو حشد ولا تسجيل رسمي في كشوفات الحزب، غير أن تبدل الأحوال وبروز مفاهيم جديدة في الانضمام للكيانات الحزبية أوجد معطيات جديدة في شأن الانتماء للأحزاب.

الوطني
بادئ ذي بدء وقبل الغوص في بحر عضوية حزب المؤتمر الوطني، فالشواهد تقول إن الحزب هو المهيمن على الساحة السياسية، ويكرر قادته في كل حين أن حزبهم هو صاحب الجماهيرية الكاسحة، ووصلت التكهنات بحجم عضوية وقواعد الحزب لحد زعم فيه قادته وعلى أيام الانتخابات الماضية أن تعداد جماهير الحزب يفوق “6 ملايين” مواطن، وهو رقم جعل القوم مطمئنين لاكتساح الحزب الانتخابات في جميع ترشيحاتها، وبالمقابل ما انفكت التلميحات القادحة في الأرقام التي يعلنها الحزب عن حجم عضويته تواصل مددها المفند لتلك الأرقام، بل ومن داخل الحزب نفسه، وتدليلاً على هذا القول في مستهل العام 2015م طارت الأسافير بحديث لرئيس الجمهورية قال فيه إن أداء الحزب به ضعف على مستوى القواعد، وباعتبار أن الحديث لرئيس الحزب، يحوي قدراً غير يسير من الوجاهة، اعتبره الحزب رسالة واضحة لتفعيل نشاط الحزب في استقطاب القواعد والتعاطي معها بما يضمن ولاءهم.

تفعيل العضوية
ووصلاً لما سبق، فحديث رئيس القطاع التنظيمي بالوطني، د. فيصل حسن إبراهيم الذي أقر فيه بمواجهة الحزب لتحدٍّ في استقطاب الشباب لصفوفه يمكن عده من باب الإقرار الصريح بفشل الحزب في استقطاب العضوية لا سيما وسط شريحة الشباب، فيصل وفي تفسيره لهذا الأمر ذهب إلى القول: ” إن اهتمامات الشباب في هذا الجيل ليست كإهتماماتنا”، مصدر الخشية في حديث رئيس القطاع التنظيمي بالوطني هو فقدهم لهذا الجيل بالكلية، معتبراً تعامل الحزب بالطريقة التقليدية سيخرج منه الجيل الذي ولد في عهد الإنقاذ وما بعده، وقال: علينا أن نبحث كيف نحافظ على هذا الجيل.

متغيرات عديدة
ما ليس خفياً للمراقبين لوضع الكيانات السياسية بالسودان أنها أضحت مجردة من كثير مما كانت تتمتع به من قواعد، فالمتغيرات التي شهدها المجتمع جعلت من أمر الانضمام لحزب ما ولو كان المؤتمر الوطني أمراً في ذيل اهتمامات الأجيال الناشئة بعد مجيء الإنقاذ، وبطبيعة الحال منهم عدد لا يستهان به من الشباب، كما أن ظاهرة انفضاض القواعد المنضوية بالفعل للحزب أضحت أمراً شائعاً، ولا يمكن غض الطرف عنه، وفي حالة الوطني بالتحديد لا يمكن استبعاد فرضية خروج طائفة من قواعده بشبابها، خاصة وأن المتذمرين من النطام الحاكم عددهم ليس بالقليل.

ثلاث فئات
رئيس تيار الأمة الموحد د. محمد علي الجزولي يجزم في حديثه لـ(الصيحة) بأن الشباب لم يجد في المؤتمر الوطني ما يصبو إليه، قبل قيامه بتقسيم شباب اليوم إلى فئات ثلاث منها فئة كانت تبني تطلعات عظيمة على حكومة الإنقاذ لإقامة أنموذج الحكم الإسلامي المنشود القائم على العدل والمساواة وتحقيق الحكم الراشد الذي يحقق التوازن والتنمية ولكنهم ابتعدوا عندما لم يجدوا الأنموذج المنشود في المؤتمر الوطني، فذهبوا للبحث عنه في تيارات أخرى بينما فئة اخرى تبنت موقفاً مبدئياً من نماذج الحكم الإسلامية بسبب الأخطاء التى تم ارتكابها في ظل الإنقاذ، فآثرت الابتعاد نحو العلمانية راكلين وراءهم المؤتمر الوطني وكل التيارات الأخرى. بينما وقفت الفئة الثالثة في خانة المحايد يريدون أن يروا كيف يمكن لأي حزب أن يعالج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بالوطن وهؤلاء عرضة لأي جهة تعمل على إقناعهم بطرحها، لافتاً إلى أن خطاب المؤتمر الوطني الموجه إلى الشباب نفسه ربما يكون سبيلاً للابتعاد عن الحزب كونه يقوم على تقديم نماذج لا توجد على أرض الواقع.

غبن اجتماعي
ويرى مراقبون أن المؤتمر الوطني ارتكب خطأ تاريخياً تجاه الشباب بتقريب بعض منهم وبذل الأموال لهم، فانعكس ذلك سلباً عندما يرى الشباب زملاءهم بدأوا حياتهم بعد أن وفر الحزب لهم الوظائف والأموال، فزادهم ذلك ابتعاداً عنه.. ويري د. الجزولي أن المؤتمر الوطني أخطأ طوال 27 عاماً في انتهاجه نهج الاستقطاب المالي، مشيرا إلى أن الحزب ومهما كان يملك من أموال لن يستطيع ان يستقطب عبر المال أكثر من 10% بينما يظل 90% خارج منظومة الاستقطاب المالي، الأمر الذي يرتب لديهم غبناً اجتماعياً يجعلهم يبتعدون عن المؤتمر الوطني، مبيناً أن سياسة الاستقطاب المالي أثبتت فشلها طوال سنوات الإنقاذ وعلى المؤتمر الوطني أن يبتعد عنها وأن ينتهج حواراً فكرياً يستوعب كل المتغيرات العالمية والمحلية.

فشل عام
أحاديث قادة الوطني عن تراجع قدرة الحزب على استقطاب العضوية خاصة بين شريحة الشباب خرجت علناً وبلا مواربة في كلمة القيادية بالوطني ونائبة رئيس البرلمان السابقة، سامية أحمد محمد في المنتدى التداولي لأمانة شؤون العضوية الذي نظمه حزبها أمس الأول. سامية أقرت بضعف حجم عضوية الحزب، بيد أنها لم تستثن شريحة محددة من العضوية سواء من الشباب أو غيرهم، وذهبت سامية لحد القول بوجوب وضع معايير جديدة لعضوية الوطني، وفي تبريرها لهذا القول أشارت إلى وجود عضوية غير ملتزمة أسمتهم بالموالين أو المتعاطفين مع الحزب في مقابل عضوية ملتزمة منذ الثمانينات، محصلة هذه المعطيات جميعها تبين بحق أن الوطني يعاني بشكل بائن في شأن اكتساب ولاء الشباب وإن لم تصرح القيادية بذلك صراحة، فهو أمر مفهوم ضمناً سواء من حديثها أو من أحاديث آخرين في مناسبات غيرها.

إشكالية عامة
في تعليقه على الأمر يشير المحلل السياسي د. صلاح الدومة لـ(الصيحة) إلى أن ما أصاب الممارسة السياسية بالسودان من علل وخيبات انعكس بشكل بائن على مدى تمسك الجماهير بالانضمام للأحزاب، وعلى حد تعبير د. صلاح أن المؤتمر الوطني ليس استثناء في ذلك الأمر ويقع عليه من مترتبات ما وقع على غيره من الأحزاب التي فقدت الكثير من بريقها الجماهيري الذي رافقها في سنوات ماضية، لافتاً إلى أن جيل اليوم وبخاصة الشباب لم تقنعهم الكيانات السياسية للانضمام تحت لوائها، وقال إن معايير الانتماء الحزبي راهناً ليست هي كما بالأمس، مرجعاً السبب في ذلك لتغيرات عديدة ضربت المجتمع، مشيراً إلى أن كل تلك الأسباب وعلى ما بها من تنفير للشباب من الانضمام للأحزاب، إلا أن الوطني، والحديث هنا لصلاح، ما يزال يضم في صفوفه عدداً ليس باليسير من الشباب، ولا سيما طلاب الجامعات، ملمحاً إلى أن سلوكيات الحزب ذات نفسه لها دورها في مسألة انضمام الشباب أو استبقائهم ضمن قواعد الحزب الفاعلة، خاصة وأن كل من خرج من الحزب أو قلت فاعليته له أسبابه التي بالتأكيد للحزب المعني دور فيها.

سمة بارزة
الحقيقة التي لا مناص من إيرادها أن عضوية المؤتمر الوطني هي جزء من عضوية العديد من التيارات الإسلامية الناشطة في الساحة، سواء من هي منفصلة عن الوطني مثل جماعة الإخوان أو حتى جماعة “أنصار السنة” أو تلك التي كانت جزءا من الحزب وخرجت من عباءته لإنشاء كيانات حزبية جديدة، واستصحبت معها نفرًا من القواعد شيبهم وشبابهم مثل “المؤتمر الشعبي” و”حركة الإصلاح الآن”، وتأسيساً على ذلك يبدو من المهضوم أن تتفرق القواعد بمن فيهم الشباب على تلك الكيانات الحزبية، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المرجعية السياسية والفكرية لكل ما ذكر إن لم تكن متطابقة فهي على قدر كبير من نقاط الاتفاق .

تلاشي الحزب
ومهما يكن فإن تخوفات قادة الوطني لها ما يبررها، فخلو الحزب – أي حزب – من العضوية الشبابية أمر سيكلفه الكثير في مقبل المواعيد، فعلى مدى سنوات عديدة ظل الشباب هم العنصر الفاعل في أي حراك سياسي، بيد أن الأمور في حالة المؤتمر الوطني تبدو أكثر تعقيداً مما ينظر إليها، خاصة في حال التعامل بجدية مع الحقائق الدامغة التي تؤكد على أن الكثير من منسوبي الحزب الشباب تفرقت مسوغات انضمامهم للوطني على أسباب شتى تتنوع ما بين المصالح والرغبة في تحقيق الذات بالنظر لما يتيحه الحزب لخلصاء أعضائه من فرص الترقي واكتساب المنعة، ومن اليسير الزعم بانضمام الكثير من الشباب للوطني لأسباب يأتي الولاء في آخرها، وليس من التجني في شيء التكهن بأن مصير الحزب حال مفارقته سدة الحكم سيكون ذات مصير طيب الذكر، حزب العهد المايوي “الإتحاد الإشتراكي”، سيما وأن الحزبين يشتركان في تفاصيل متشابهة ليس أقلها أن أياً منهما لم يغرس بذرته جيداً في تربة الممارسة السياسية والحزبية في فترة حكمه.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة