الصادق الرزيقي

تجربة ملهمة


> لفت الانتباه في صحف الأمس خبر عن عقد أمانة شؤون العضوية بالمؤتمر الوطني «الملتقى الأول للأمانة وأمناء الاتصال التنظيمي» لمناقشة قضايا محددة بينها تحصيل اشتراكات عضوية الحزب وتوسيعها، وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يعتزم فيها الحزب الحاكم، إبراز سعيه بكل جدية لتحصيل اشتراكات عضويته لتمويل نشاطه السياسي، بدلاً من التبرعات والهبات التي كانت تأتيه من الميسورين من العضوية، أو كانت تصل إليه كما يتهمه خصومه من خزينة الدولة، ولطالما نفى المؤتمر الوطني عن نفسه هذه التهمة، بيد أنه لم يعلن من قبل إعلاناً صريحاً عن حملة لجمع الاشتراكات من عضوية تبلغ حسب الإحصاءات الرسمية أكثر من ستة ملايين عضو ملتزم. > مجرد التفكير في عقد ملتقى أو التفاكر في كيفية تحصيل الاشتراكات من العضوية، مؤشر جيد يساعد في ترشيد الممارسة السياسية في بلادنا، ويجعل الأحزاب السياسية ذات قيمة ووزن حقيقي، فكثير من الأحزاب الحاكمة في العالم وخاصة في حالات مشابهة لحالنا، تتعرض للتشنيع بأنها أحزاب حكومية تعتاش على جيب الحكومات وتنام على وسائد السلطة، وهي مثل الأحياء المائية لا تعيش خارج أنهر وجداول وبحيرات السلطة، وكون المؤتمر الوطني يعلن على الملأ أنه سيعتمد على اشتراكات عضويته وطرح عدة خيارات منها تحويل الرصيد، فإن ذلك يطمئن بلا شك الآخرين إلى أنه خارج جلباب الحكومة وليس له ارتباط عضوي معها ولن يدخل يده في جرابها. > من آفة السياسة ألا تكون العضوية مساهمة ولو بقدر يسير مما تملك في تمويل الحزب الذي تنتمي إليه، فالولاء الحزبي تكتمل حلقاته وتتجذر مفاهيمه عندما يكون الجميع سواسية في دعم حزبهم لا فضل لبعضهم على بعض إلا بمقدار الجهد والحرص والإخلاص والثبات والصبر وإطلاق ذات اليد، وحتى تكون المنافسة شريفة بين الكتل والكيانات الحزبية عليها توضيح مصادر تمويلها والكشف عن مظان الأموال التي تمول منها نشاطاتها اليومية وحملاتها السياسية والانتخابات وغيرها من المناسبات. > إذا كان المؤتمر الوطني يمتلك عضوية كبيرة تصل إلى ستة ملايين عضو، فإن عضويته لو دفع كل منهم فقط عشرة جنيهات كل شهر، لجمع ستين مليوناً من الجنيهات «60.000000»، وفي السنة سيكون حصيلة ما تدفعه عضويته «720.000000» جنيه، وهذا مبلغ ضخم، فإذا كانت الانتخابات الأخيرة الرئاسية والبرلمانية كلفت الحزب الحاكم ما يزيد قليلاً عن «130.000000» من الجنيهات، فإن النشاط الحزبي العادي لن يساوي ربع المبلغ السنوي المجموع من الاشتراكات، هذا غير الدعم الآخر من رجال المال والأعمال الذين يدفعون لحزبهم مبالغ أكبر بكثير ويتبرعون باستمرار، وتوجد هناك عوائد من الاستثمارات الحزبية. > هذه الأمور إذا تمت بسلاسة ويسر ونجحت تجربة المؤتمر الوطني، ستشجع الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، على تمويل نفسها ذاتياً من عضويتها، وهو أمر ليس صعباً ولا مستحيلاً، بل هو المنهج الصحيح في العمل السياسي، فكل حزب مصروفاته بحجمه وحجم عضويته، ويمكن للأحزاب جميعها إذا انتهجت هذا النهج أن تعمل وتنشط وتمارس دورها دون منة من أحد أو وصاية من جهة أو مد اليد السفلى، أو حتى انتظار تمويل مشروط من الخارج كما كانت تفعل الأحزاب في الديمقراطية الثالثة. > فما المطلوب إذن؟ تأتي ترقية قيم الولاء الحزبي وتعزيز قناعات العضوية الحزبية بواجباتها ومساهمتها في مقدمة المطلوب فعله، وهذه تمثل شروط صحة الانتماء وركيزة النجاح لعملية التمويل الذاتي من اشتراكات الأعضاء، وهي بالفعل عملية صعبة وليست بالسهولة المرجوة، فالمنتمون حزبياً تعودوا على أن الحزب هو الذي يدفع ويقوم بكل التزاماته دون التعويل على ما تدفعه العضوية من اشتراك، فلو ترسخ هذا المنهج في كل التنظيمات السياسية لأصبحت لدينا تجربة حزبية مبرأة من نقائص التمويل وشبهاته.