الطاهر ساتي

شكراً للسفارة ..!!


:: بعد الإستقلال بخمس سنوات فقط لا غير، دخلت بلادنا في عالم الصناعة الدوائية، حيث تم إفتتاح أول مصنع للإنتاج الدوائي ( 1961).. وكان ترتيبنا في الريادة الثالث عربياً وإفريقيا.. أي لم تسبقنا دولة عربية غير مصر في هذه الصناعة الإستراتيجية، ولم تسبقنا دولة إفريقية غير جنوب إفريقيا.. ولكن اليوم، أي بعد نصف قرن وعقدين من الإستقلال، والحمد لله على كل حال، بلغ بنا العجز والفشل لحد إستيراد أصناف دوائية من الأردن بحجم يقدر ب (425 صنفاً).. نعم، ( 425)، الأصناف الدوائية الأردنية المسجلة والمستهلكة في بلادنا.. يتعلمون (هنا)، ويصنعون (هناك)، ثم يصدرون إلى (هنا)، لأن القلم في بلادنا – بفعل السياسة والساسة – ( ما بزيل بلم ) ..!!
:: المهم، بشرتنا أخبار البارحة – بالجريدة – بأن السلطات الأردنية خفضت أسعار أدويتها، بما فيها بعض الأصناف الدوائية التي يستوردها السودان، بنسب تخفيض تترواح ما بين (2/ 68%)، وأن الملحق الطبي بالسفارة الأردنية بالخرطوم خاطب السلطات المختصة هنا بهذا التخفيض ..والجدير بالتأمل، فأن البشريات ذات الصلة بحياة الناس في بلادنا لم تعد تردنا إلا من بلاد الآخرين، قروضاً كانت أو منحاً وتخفيض .. ولكن للأسف، كما قالت الجريدة ويؤكدها الواقع، فأن السلطات هنا تتكتم على هذا التخفيض.. والسلطات هي وزارة الصحة ومجلس الأدوية والشركات، وللأسف كلها تكاد تكون خارج سلطة السلطات العليا بما فيها البرلمان، أي هي (جزر معزولة)، وعصية على المحاسبة والمساءلة، ولذلك ( تتكتم)..!!
:: وبالمناسبة، ليست تخفيضفات أسعار الأدوية الأردنية وحدها هي التي تتكتم عليها السلطات، بل أسعار كل الأدوية التي يستوردها السودان أسعار (غير حقيقية).. ويجب مراجعتها بواسطة لجان تشكلها إدارة الأمن الإقتصادي، كآخر ملاذ بعد أن فقد المواطن الثقة في سلطة وزارة الصحة و مجلس الأدوية .. ونذكركم بأخر عجز رقابي، قبل أشهر، أصدرت وزارة الصحة بالخرطوم قراراً يُلزم صيدليات الخرطوم بعدم شراء أدوية ليست عليها ديباجة الأسعار موضوعة من قبل المصانع، وكان منتصف مارس الفائت موعد تنفيذ القرار..وبعد الموعد، نفذت السلطة الرقابية حملة تفتيش واسعة، ووجدت ما ترتقى بحيث تكون ( كوارث)، منها أن أسعار بعض الأدوية أعلى (مما هو مجاز)، وكذلك وجدت أدوية بلا فواتير شراء.. ثم وجدت أدوية منظمات خيرية تباع للمستهلك.. والأدهى والأمر أن الصيدليات التي إلتزمت بوضع الديباجة لم تتجاوز (10%).. ثم مات القرار الرقابي ..!!
:: مات، رغم أنف الدراسة الموثقة لمنظمة الصحة العالمية، والتي تقول بالنص : ( أسعار الدواء في السودان هي الأعلى في هذا الإقليم، وتضاعفت أسعار بعض الأدوية (18 ضعفاً) عن أسعارها في المؤشر العالمي، ويعزى ذلك الى هامش الربح الكبير الذي تضعه شركات الأدوية غير الملتزمة بالتسعيرة).. ولاعلاقة بين أسعار الدولار في السوق الموازي وغلاء أسعار الأدوية، فالإستيراد يتم بسعر دولار البنك المركزي، وهذا يعني أن للحكومة حق المتابعة و المراقبة والمحاسبة.. ولو كان للخمول المسمى بمجلس الأدوية – أعلى سُلطة رقابية و يرأسها وزير الصحة المركزية – إرادة وعزيمة لماأفادتنا السفارة الأردنية بتخفيض أسعار أدويتها التي نستوردها..فالمجلس – رغم كل سلطاته الرقابية – بلا إرادة وبلا عزيمة، ولذلك تفضح السفارة الأردنية ما تم (التكتم عليها)..!!