مقالات متنوعة

محمد لطيف : ود مولانا.. شيلك الليلة تقيل


السيد رئيس الجمهورية أصدر قرارا.. بأن يتولى، أو يشرف، مساعده الأول مولانا السيد محمد الحسن السيد محمد عثمان السيد علي الميرغني على ملف الأمن الغذائي في الحكومة. وهذا أمر حسن جدا أن توكل لكل من يشغل منصبا في الدولة والحكومة مهام تنفيذية محددة، بمعنى أن يكون لكل شاغل موقع وصف وظيفي ومهام محددة مطلوبة منه يباشرها أصالة وأن يكون هنالك تكليف واضح بتحقيق نتائج مطلوب منه تحقيقها مع تمكينه من الصلاحيات بقدر ما هو ضروري لتحقيق تلك النتائج. ونرجو أن ينسحب هذا على الجميع نوابا ومساعدين وغيرهم.
والذي تم أمر محمود في إدارة الدولة النظامية، ومن أساسياته أن تكون مهام الكل مُعرفة ومعروفة لديهم ولدى أجهزة الدولة ولعامة المواطنين..
لقد تم تحديد مسؤولية مولانا بهذا الملف الأساسي الاستراتيجي الخطير الظاهر المعقد؛ فما هي مسؤوليات الآخرين..؟
وملف الأمن الغذائي ملف لا يستهان به إطلاقا والجميع يتحدث عن معاش الناس ومن أهم مكونات هذا المعاش المكون الغذائي والذي أشار إليه المولى عز وجل في سورة قريش: بسم الله الرحمن الرحيم (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (*) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (*) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (*) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)
صدق الله العظيم.
والأمن الغذائي من المهام والموضوعات التي كانت وما زالت من أولى مهام البشر أفرادا وأسرا وجماعات وحكومات ودولا ومنظمات إقليمية وأممية. وقد روي عن أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “إنا وُلينا على الناس لثلاث: لنسد جوعتهم ونوفر حرفتهم ونجاهد عدوهم”، والثلاثة مربوطة ربطا محكما فالحرفة وسيلة الكسب التي تدر الدخل الذي به يتحصل الناس على معاشهم، ولابد أن يكون الحصول على الأمن الغذائي بنسبة معقولة من الدخل لا يتجاوزه للاحتياجات الأخرى المطلوبة لاستكمال مطلوبات (الأمن الإنساني الشامل) الذي أصبح من ضمن أجندات الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والتي حلت محل الأهداف التنموية الثمانية للألفية الثالثة.
فما هو معنى ومحددات الأمن الغذائي ومطلوباته؟ وما هي محاور هذا الملف ومحتوياته وارتباطاته الخلفية والأمامية؟ وهل يستدعي تغييرات هيكلية في تعريف الأجهزة التنفيذية للدولة أم أنه ملف هلامي غير محدد المعالم والحدود؟
لقد أصبح معلوما أن الفرد البالغ الصحيح القادر على الأداء بكفاءة والصحيح نسبيا يحتاج إلى2300 سعرة حرارية في اليوم يحصل عليها بتوازن بين المكونات الغذائية الرئيسة من بروتينات وكاربوهايدريتات ودهون وفايتمينات والمعادن والماء وغيرها من الأساسيات والمكملات. والمطلوب هو تحديد الكميات والنوعيات من كل تلك المكونات ووجودها وإمكانية الوصول إليها والتمكن من اقتنائها لكل المجموعات السكانية أفقيا ـ أي أقاليم ـ ورأسيا ـ أي المجمعات السكانية بأنماطها المختلفة صغار السن وكبارها والمرأة والتوزيعات بحسب مستويات الدخول وغيرها. وهذا أحد مطلوبات التنمية المتوازنة أفقيا ورأسيا. وبعض مطلوبات الأمن الغذائي الشامل قد تكون متوفرة داخل الوطن وبعضها قد يكون فيه فائض للتصدير ليسهم في الأمن الغذائي الإقليمي العربي والعالمي، خاصة وأن هنالك عجزا في بعض تلك المكونات في دول الجوار القريب.
وعلى سبيل المثال فإن الفجوة في زيوت الطعام في مصر حوالي 98 % والقمح أكثر من ستين بالمائة وكذلك اللحوم وعلى ذلك قس دول الخليج والسعودية. وبعض مكونات الأمن الغذائي بها نقص كبير هنا مثل القمح وغيره . وحتى المياه في بعض المناطق فيها نقص بالرغم من الجهود المبذولة فيه. إذا أحصينا بدقة ما هو المطلوب لتحقيق التوازن الغذائي الآمن للجميع فالتخطيط السليم يتطلب أن نحصي بدقة ما هو المتاح بتكويناته وتوزيعاته المختلفة رأسيا وأفقيا. هذا يؤدي بنا لأن نفكر في (إدارة التنمية الشاملة) لمعرفة (الفجوة التنموية) المطلوب تجسيرها وتحديد الموارد المادية والمالية والتقانية والبشرية والأفق الزمني والخط التخطيطي والتنفيذي لذلك.
هذا لن يتم إلا إذا تم تحديد الشركاء والمكونات الأساسية من داخل الحكومة وخارجها ومن داخل الدولة وخارجها. مع إدارة واعية.
ونأمل أن ينجح مولانا في إنجاز هذا الملف وأن يأخذه بالحزم والموضوعية اللازمة وأن يبتعد عن المعاذير والتبريرات فأمامه تحد كبير نرجو أن يحوله إلى فرصة كبيرة وأن يحول تلك الفرصة إلى إنجازات.. وهذا ما نرجوه منه وله.
والله ولي التوفيق.
د. عثمان البدري.. جامعة الخرطوم
osmanalbadri@gmail.com