مقالات متنوعة

محمد وداعة : الخطة.. انو لا توجد خطة!


الاستراتيجية القومية الشاملة، اسم أطلق على توجهات الحكومة في التخطيط في الفترة،(1992–2002)، وهي اعقبت الخطة التي تلت استيلاء الإنقاذ على السلطة وغطت الفترة،(1989 – 1992)، وجاءت تحت مسمى برنامج الإنقاذ الاقتصادي ، وتلت ذلك الاستراتيجية القومية ربع القرنية وهي تمتد من (2002 -2027)، وهي التي نعيش في كنفها الآن.. ظلت هذه التسميات تظهر وتختفي حسب إيقاع الأداء الحكومي والحاجة إليها لأغراض الدعاية السياسية، ولا يتم تذكرها لعدة سنوات تليها، ما يهم الآن هو الحقبة المسماة الاستراتيجية ربع القرنية التي جاءت تحت شعار (استكمال بناء أمة سودانية موحدة، آمنة، متحضرة، متقدمة ومتطورة)، ورغم أن أهداف خطة الاستراتيجية ربع القرنية هي بناء أمة سودانية موحدة، فقد سجلت الخطة إخفاقا تاريخياً بانفصال الجنوب بعد (8) سنوات من سريان الخطة، وحسب مراقبين، فإن هذه الخطة لم تشهد أي مراجعة جادة بعد إنفصال الجنوب، وذهبت وحدة البلاد أدراج الرياح ولم يفتح الله على مخططي الاستراتيجية بكلمة واحدة، ولم تحدد أسباب فشل الخطة وإنهيارها بهذا الحدث المزلزل، تبقت فقط (10) سنوات لإنتهاء أجل الخطة إلا أن الأهداف التي حددتها تبدو ولا شك بعيدة المنال، بل إن الأوضاع الاستراتيجية للبلاد تراجعت والمشاكل تفاقمت، فبلغ سعر صرف الدولار (14) جنيهاً وكان قد تراجع بعد اتفاقية السلام الشامل إلى (2.6)ج للدولار، وتتصاعد تكلفة المعيشة بما لم يحدث له مثيل من قبل، وتدهورت الخدمات الصحية والتعليمية، مع تدني جودتها وإرتفاع أسعارها، الحكومة خرجت من التزاماتها الدستورية بتوفير الخدمات والسلع، وتحولت إلى تقديمها عبر واجهات حزبية أو استثمارية، وأصبحت أكبر تاجر في البلاد بأسرها، نظرة واحدة لأي مجال من المجالات الحيوية في بلادنا فيرتد إليك البصر خاسئاً وهو حسير، تدهور في كل البنية التحتية وتدني للخدمات، والأهم هو تراجع العقل الجمعي السوداني وتهتك النسيج الاجتماعي بفعل استمرار الحرب في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وإنتشار العنف والجريمة المنظمة، فلا تمر أسابيع إلا وتضبط الحاويات الفاسدة والمشعة، وحاويات المخدرات، ويتطاول البنيان وينتشر الفقر وتنهب موارد البلاد دون رقيب أو حسيب، ويعلن المراجع العام سنوياً قائمة إنتهاكات المال العام و استغلال السلطة والنفوذ، لذلك يأتي الحديث عن الحصار وتربص أعداء الوطن في غير مكانه، فلا يمكن للأعداء مهما أوتوا من قوة ودهاء، أن يفعلوا بالبلاد عشر معشار ما فعلته وتفعله الانقاذ، خبراء الاستراتيجية يحددون هدفاً واضحاً للمهددات الاستراتيجية، ويعملون من خلال استقراء خطط الطرف الآخر، لاستنباط خطط مضادة لإجهاض نوايا الطرف الآخر (العدو)، ربما إن الحكومة نجحت في افشال أهداف الأطراف الأخرى، باعتمادها على الخطة (إنو.. لا توجد خطة)، وأنهكت تلك الأطراف التي تجهد نفسها في تحليل خطط لا وجود لها. الإنقاذ خلطت كل الأوراق، فأصبحت الدولة هي الحكومة، والحكومة هي حزب المؤتمر الوطني، الحكومة تجاوزت مرحلة (التمكين) وأصبحت دولة عميقة، هناك تخوفات ملموسة لدى بعض الجهات أوصلتهم لقناعة أنه لا يمكن إسقاط النظام بدون إسقاط الدولة، وليكن ما يكون.